للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رسولا} [القصص: ٥٩]، وكقوله: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} [فاطر: ٢٤]، يعني: الأمم التي أهلك الله بالعذاب (١) [٣٨١١]. (ز)


[٣٨١١] قال ابنُ تيمية (٤/ ٢٠٤ - ٢٠٥) في معرض تعليقه على احتجاج الأشاعرة على المعتزلة في نفي الإيجاب والتحريم العقلي بقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}: «وهو حُجَّة عليهم أيضًا في نفي العذاب مطلقًا إلا بعد إرسال الرسل؛ وهم يجوزون التعذيب قبل إرسال الرسل. فأولئك يقولون: يعذِّب مَن لم يبعث إليه رسولًا؛ لأنه فَعَلَ القبائحَ العقلية. وهؤلاء يقولون: بل يعذب مَن لم يفعل قبيحًا قط كالأطفال. وهذا مخالف للكتاب والسُّنَّة، والعقل أيضًا، قال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، وقال تعالى عن أهل النار: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير* قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير} [الملك: ٨]، فقد أخبر? بصيغة العموم أنه كلما ألقي فوج سألهم الخزنة: هل جاءهم نذير؟ فيعترفون بأنهم قد جاءهم نذير، فلم يبق فوج يدخل النار إلا وقد جاءهم نذير، فمن لم يأته نذير لم يدخل النار». وقال (٤/ ٢٠٦ بتصرف): «لكن الله لا يعذّب أحدًا إلا بعد بلوغ الرسالة، كما قال: {وما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولًا}، ولم يفرّق سبحانه بين نوعٍ ونوعٍ، وذكرنا أنّ هذه الآية يحتجّ بها الأشعريّ وأصحابه ومَن وافقهم كالقاضي أبي يعلى وأتباعه، وهم يُجَوِّزون أنّ الله يُعذّب في الآخرة بلا ذنب، حتى قالوا: يعذب أطفال الآخرة. فاحتجوا بها على المعتزلة، والآية حجّة على الطائفتين».
وبنحوه قال ابن كثير (٨/ ٤٤٦ - ٤٤٧).
وقال ابنُ عطية (٥/ ٤٥٢ - ٤٥٣ بتصرف) مستندًا إلى السياق، والنظائر، ودلالة العقل: «مقصد الآية في هذا الموضع: الإعلام بعادة الله مع الأمم في الدنيا، وبهذا يقرب الوعيد من كفار مكة، ويؤيد هذا ما يجيء بعدُ مِن وصفه ما يكون عند إرادته إهلاك قرية، ومِن إعلامه بكثرة ما أهلك من القرون، ومع هذا فالظاهر من كتاب الله في غير هذا الموضع ومِن النظر أن الله تعالى لا يعذب في الآخرة إلا بعد بعثة الرسل، كقوله تعالى: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير* قالوا بلى} [الملك: ٨ - ٩]، وظاهر {كلما} الحصر، وكقوله تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} [فاطر: ٢٤]، وأما مِن جهة النظر فإنّ بعثة آدم - عليه السلام - بالتوحيد، وبث المعتقدات في نبيه، ونصب الأدلة الدالة على الصانع، مع سلامة [الفطر]؛ يوجب على كل أحد من العالم الإيمان، واتباع شريعة الله، ثم تجدَّد ذلك في مدة نوح - عليه السلام - بعد غرق الكفار، وهذه الآية أيضًا يُعطي احتمال ألفاظها نحو هذا، ويجوز مع الفرض وجود قوم لم تصلهم رسالة، ومنهم أهل الفترات الذين قد قدَّر وجودَهم بعضُ أهل العلم». ثم قال: «وأما ما روي من أن الله تعالى يبعث إليهم يوم القيامة، وإلى المجانين، والأطفال؛ فحديث لم يصحَّ، ولا يقتضيه ما تقضيه الشريعة مِن أن الآخرة ليست دار تكليف».
وردَّ ابن كثير (٨/ ٤٥٥ - ٤٥٦) كلامًا لابن عبد البر يشبه كلام ابن عطية الأخير، فقال: «الجواب عما قال: أن أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح كما قد نصَّ على ذلك كثير من أئمة العلماء، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يتقوى بالصحيح والحسن، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متعاضدة على هذا النمط أفادت الحجة عند الناظر فيها. وأما قوله: إن الدار الآخرة دار جزاء. فلا شك أنها دار جزاء، ولا ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنة أو النار، كما حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة من امتحان الأطفال، وقد قال تعالى: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون} [القلم: ٤٢]. وقد ثبتت السُّنَّة في الصحاح وغيرها أن المؤمنين يسجدون لله يوم القيامة، وأما المنافق فلا يستطيع ذلك، ويعود ظهره طبقًا واحدًا، كلما أراد السجود خرَّ لقفاه. وفي الصحيحين في الرجل الذي يكون آخر أهل النار خروجًا منها أن الله يأخذ عهوده ومواثيقه أن لا يسأل غير ما هو فيه، ويتكرر ذلك مرارًا، ويقول الله تعالى: يا ابن آدم، ما أغدرك. ثم يأذن له في دخول الجنة».

<<  <  ج: ص:  >  >>