للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٣٦٣٤ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- وسُئِل عن قول الله تعالى: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا}. فقرأ: {إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين} [الجاثية: ٣]، {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} [الذاريات: ٢١]، وقرأ: {ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون} وقرأ حتى بلغ: {وله من في السموات والأرض كل له قانتون} [الروم: ٢٠ - ٢٦]. قال: كُلٌّ له مطيعون، إلا ابن آدم. قال: فمن كان في هذه الآيات التي يعرف أنها مِنّا، ويشهد عليها، وهو يرى قدرتنا ونعمتنا أعمى؛ فهو في الآخرة التي لم يرها أعمى وأضل سبيلًا (١). (ز)

٤٣٦٣٥ - قال يحيى بن سلّام: قوله: {ومن كان في هذه أعمى} يعني: مَن كان في هذه النعماء التي ذكر الله في هذه الآية؛ {فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا} طريقًا، أي: ليست له حجة. كقوله: {قال رب لم حشرتني أعمى} [طه: ١٢٥] عن حُجَّتي (٢) [٣٨٨٥]. (ز)


[٣٨٨٥] اختُلِف في المعنى الذي أُشير إليه بقوله تعالى: {هذه} على قولين: الأول: أنه أشار بذلك إلى النِّعَم المذكورة قبلُ، والمعنى: ومَن كان في هذه النِّعَم أعمى؛ فهو في نِعَمِ الآخرة أعمى وأضل سبيلًا. والثاني: أنه أشار بذلك إلى الدنيا، والمعنى: ومَن كان في هذه الدنيا أعمى عن قدرة الله فيها وحُجَجِه؛ فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلًا.
ورجَّحَ ابنُ جرير (١٩/ ١١ - ١٢) القولَ الثانيَ -وهو قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد- استنادًا إلى العموم، وقال: «إنما قلنا: ذلك أولى تأويلاته بالصواب؛ لأن الله -تعالى ذكره- لم يخصص في قوله: {ومن كان في هذه} الدنيا {أعمى} عمى الكافر به، عن بعض حججه عليه فيها دون بعض، فيوجَّه ذلك إلى عماه عن نعمه بما أنعم به عليه من تكريمه بني آدم، وحمله إياهم في البر والبحر، وما عدَّد في الآية التي ذكر فيها نعمه عليهم، بل عمَّ بالخبر عن عماه في الدنيا، فهو كما عمَّ -تعالى ذكره-».
وذَهَبَ إلى ذلك أيضًا ابنُ كثير (٩/ ٤٨ - ٤٩).
وهو ظاهر كلام ابن عطية (٥/ ٥١٨)، ثمّ علَّقَ قائلًا: «وبهذا التأويل، تكون معادلةً للتي قبلها مِن ذِكْر مَن يُؤْتى كتابه بيمينه. وإذا جعلنا قوله: {في الآخرة} بمعنى: في شأن الآخرة، لم تطرد المعادلة بين الآيتين». وذكر (٥/ ٥١٧ - ٥١٨) أنّ العمى في هذه الآية هو عمى القلب في الأول والثاني، وبيّن أن ما قال سيبويه: «لا يقال: أعمى من كذا. إنما هو في عمى العين الذي لا تفاضل فيه، وأما في عمى القلب فيقال ذلك؛ لأنّه يقع فيه التفاضل». ونقل أن مكيًّا قال بأن العمى الأول هو عمى العين عن الهُدى، وانتقده بقوله: «وهذا بين الاختلال».

<<  <  ج: ص:  >  >>