ورجَّحَ ابنُ جرير (١٩/ ١١ - ١٢) القولَ الثانيَ -وهو قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد- استنادًا إلى العموم، وقال: «إنما قلنا: ذلك أولى تأويلاته بالصواب؛ لأن الله -تعالى ذكره- لم يخصص في قوله: {ومن كان في هذه} الدنيا {أعمى} عمى الكافر به، عن بعض حججه عليه فيها دون بعض، فيوجَّه ذلك إلى عماه عن نعمه بما أنعم به عليه من تكريمه بني آدم، وحمله إياهم في البر والبحر، وما عدَّد في الآية التي ذكر فيها نعمه عليهم، بل عمَّ بالخبر عن عماه في الدنيا، فهو كما عمَّ -تعالى ذكره-». وذَهَبَ إلى ذلك أيضًا ابنُ كثير (٩/ ٤٨ - ٤٩). وهو ظاهر كلام ابن عطية (٥/ ٥١٨)، ثمّ علَّقَ قائلًا: «وبهذا التأويل، تكون معادلةً للتي قبلها مِن ذِكْر مَن يُؤْتى كتابه بيمينه. وإذا جعلنا قوله: {في الآخرة} بمعنى: في شأن الآخرة، لم تطرد المعادلة بين الآيتين». وذكر (٥/ ٥١٧ - ٥١٨) أنّ العمى في هذه الآية هو عمى القلب في الأول والثاني، وبيّن أن ما قال سيبويه: «لا يقال: أعمى من كذا. إنما هو في عمى العين الذي لا تفاضل فيه، وأما في عمى القلب فيقال ذلك؛ لأنّه يقع فيه التفاضل». ونقل أن مكيًّا قال بأن العمى الأول هو عمى العين عن الهُدى، وانتقده بقوله: «وهذا بين الاختلال».