للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نحني -يقولون: على ألا نصلي-، ولا نكسر أصنامًا بأيدينا، وكلُّ رِبًا لنا على الناس فهو لنا، وكل رِبًا للناس فهو عنا موضوع، ومن وجدناه في وادي وج يقطع شجرها انتزعنا عنه ثيابه، وضربنا ظهره وبطنه، وحرمته كحرمة مكة وصيده وطيره وشجره، وتستعمل على بني مالك رجلًا، وعلى الأحلاف رجلًا، وأن تُمَتِّعنا باللات والعزى سنة، ولا نكسرها بأيدينا، من غير أن نعبدها؛ ليعرف الناس كرامتنا عليك، وفضلنا عليهم. فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أما قولكم: لا نجشي، ولا نعشي، والربا؛ فلَكُم. وأما قولكم: لا نحني؛ فإنه لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود». قالوا: نفعل ذلك، وإن كان علينا فيه دناءة، «وأما قولكم: لا نكسر أصنامنا بأيدينا. فإنا سنأمر من يكسرها غيركم». ثم سكت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: تُمَتِّعنا باللات سنة. فأعرض عنهم، وجعل يكره أن يقول: لا. فيأبون الإسلام، فقالت ثقيف للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن كان بك ملامة العرب في كسر أصنامهم وترك أصنامنا، فقل لهم: إنّ ربي أمرني أن أُقِرَّ اللات بأرضهم سنة. فقال عمر بن الخطاب عند ذلك: أحرقتم قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - بذكر اللات أحرق الله أكبادكم، لا، ولا نعمة، غير أنّ الله - عز وجل - لا يدع الشرك في أرض يعبد الله تعالى فيها، فإما أن تسلموا كما يسلم الناس، وإما أن تلحقوا بأرضكم. فأنزل الله - عز وجل -: {وإن كادوا ليفتنونك} (١). (ز)

٤٣٦٤٨ - قال يحيى بن سلّام: وذلك أن المشركين خلوا برسول الله بمكة ليلة حتى الصباح، فقالوا: يا محمد، إنّ الذي جئت به لم يجئ به أحد من قومك. ورفقوا به، وقالوا له: كف عن شتم آلهتنا وذمِّها، وانظر في هذا الأمر، فإنّ هذا لو كان حقًّا لكان فلان أحق به منك، وفلان أحق به منك. فأنزل الله: {وإن كادوا ليفتنونك} إلى قوله: {ولولا أن ثبتناك} (٢) [٣٨٨٧] [٣٨٨٨]. (ز)


[٣٨٨٧] ذكر ابنُ عطية (٥/ ٥١٩) أن ابن إسحاق وغيره قالوا: بأن المشركين اجتمعوا ليلة، فعظموا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا له: أنت سيدنا، ولكن أقْبل على بعض أمرنا ونُقبل على بعض أمرك. فنزلت الآية في ذلك، ثم علق بقوله: «فهي في معنى قوله تعالى: {ودُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: ٩]».
[٣٨٨٨] اختُلِف في الفتنة التي كاد المشركون أن يفتنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها عن الذي أوحى الله إليه إلى غيره على قولين: الأول: أنّ ذلك الإلمام بالآلهة؛ لأن المشركين دعوه إلى ذلك، فَهَمَّ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والثاني: أنّ ذلك كان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - همَّ أن يُنظِرَ قومًا بإسلامهم إلى مُدَّة سألوه الإنظار إليها.
وذَهَبَ ابنُ جرير (١٥/ ١٥) إلى أنّ كِلا القولين جائز لعدم الدليل على تعيين أحدهما، فقال: «الصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله -تعالى ذكره- أخبر عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن المشركين كادوا أن يفتنوه عما أوحاه الله إليه ليعمل بغيره، وذلك هو الافتراء على الله. وجائز أن يكون ذلك كان ما ذكر عنهم من ذكر أنهم دعوه أن يمسَّ آلهتهم ويُلِمَّ بها، وجائز أن يكون كان ذلك ما ذُكِر عن ابن عباس من أمر ثقيف، ومسألتهم إياه ما سألوه مما ذكرنا، وجائز أن يكون غير ذلك، ولا بيان في الكتاب ولا في خبر يقطع العذر أيّ ذلك كان، والاختلاف فيه موجود على ما ذكرنا، فلا شيء فيه أصوبُ من الإيمان بظاهره، حتى يأتي خبرٌ يجب التسليم له ببيان ما عنى بذلك منه».
وعلَّقَ ابنُ عطية (٥/ ٥١٩) على القولين، فقال: «وجمع ما أُريد من النبي - صلى الله عليه وسلم - بحسب هذا الاختلاف قد أوحى الله إليه خلافه؛ إما في مُعْجِز، وإما في غير مُعْجِز، وفعله هو -إن لو وقع- افتراء على الله؛ إذ أفعاله وأقواله إنما هي كلها شرع».

<<  <  ج: ص:  >  >>