ورجَّح ابنُ جرير (١٥/ ٥٧ - ٥٨) مستندًا إلى السياق القول الأول الذي قاله ابن عباس من طريق أبي ظبيان، والحسن من طريق عوف، وقتادة من طريق شيبان، وابن زيد، فقال: «لأن ذلك عقيب قوله: {وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا}، وقد دللنا فيما مضى على أنه عنى بذلك: أهل مكة، فإذ كان ذلك عقيب خبر الله عما كان المشركون أرادوا من استفزازهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخرجوه عن مكة، كان بيِّنًا إذ كان الله قد أخرجه منها أنّ قوله: {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} أمرٌ منه له بالرغبة إليه في أن يخرجه من البلدة التي همَّ المشركون بإخراجه منها، وأخرجه الله منها مخرج صدق، وأن يدخله البلدة التي نقله الله إليها مدخل صدق». وكذا رجَّحه ابنُ كثير (٩/ ٦٨)، ولم يذكر مستندًا، وذكر أنه أشهر الأقوال. ورجَّح ابنُ عطية (٥/ ٥٣٠ ط: دار الكتب العلمية بتصرف) العموم، فقال: «ظاهر هذه الآية والأحسن فيها: أن يكون دعاء في أن يحسّن الله حالته في كل ما يتناول من الأمور، ويحاول من الأسفار والأعمال، وينتظر من تصرف المقادير في الموت والحياة، فهي على أتمِّ عموم، معناها: رَبِّ، أصلح لي وِرْدي في كل الأمور وصدري». ثم ساق الأقوال، ثم قال: «وما قدمت من العموم التام الذي يتناول هذا كله أصوب». وعلَّق على القول الأول بقوله: «وتقدم في هذا التأويل المتأخر في الموضوع، فإنه متقدم في القول؛ لأن الإخراج من مكة هو المتقدم، اللهم، إنّ مكان الدخول والفرار هو الأهم». وظاهر كلام ابن القيم (٢/ ١٥٠) أنّه نحا إلى العموم أيضًا حيث إنّه ذكر أن ما جاء في القول الأول يخرج مخرج المثال، ثم علَّق بقوله: «فإن هذا المدخل والمخرج من أجلِّ مداخله ومخارجه - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فمداخله كلها مداخل صدق، ومخارجه مخارج صدق؛ إذ هي لله، وبالله، وبأمره، ولابتغاء مرضاته».