للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فما بالكم ليس فيكم ملوك؟ قالوا: لا نتكابر. قال: فما بالكم ليس فيكم أشراف؟ قالوا: لا نتنافس. قال: فما بالكم ولا تتفاضلون ولا تتفاوتون؟ قالوا: مِن قِبَل أنّا مُتواصِلون مُتراحِمون. قال: فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون؟ قالوا: مِن قِبَل أُلْفَة قلوبِنا، وصلاح ذاتِ بيننا. قال: فما بالكم لا تَسْتَبُّون ولا تقتتلون؟ قالوا: مِن قِبَل أنّا غلبنا طبائعَنا بالعزم، وسُسْنا أنفسنا بالحِلم. قال: فما بال كلمتكم واحدة، وطريقتكم مستقيمة؟ قالوا: مِن قِبَل أنّا لا نتكاذب، ولا نتخادع، فلا يغتاب بعضُنا بعضًا. قال: فأخبِروني مِن أين تشابهت قلوبكم، واعتدلت سيرتكم؟ قالوا: صحَّت صدورُنا، فنزع الله بذلك الغِلَّ والحسد من قلوبنا. قال: فما بالكم ليس فيكم مسكين ولا فقير؟ قالوا: مِن قِبَل أنّا نقسم بالسَّوِيَّة. قال: فما بالكم ليس فيكم فظٌّ ولا غليظ؟ قالوا: مِن قِبَل الذل والتواضع. قال: فما بالكم جعلتم أطول الناس أعمارًا؟ قالوا: مِن قِبَل أنا نتعاطى الحق، ونحكم بالعدل. قال: فما بالكم لا تقحطون؟ قالوا: لا نغفل عن الاستغفار. قال: فما بالكم لا تُجْرَدون؟ قالوا: من قِبَلِ أنّا وطَّنّا أنفسنا للبلاء منذ كُنّا، وأحببناه وحرصنا عليه؛ فعُرِّينا منه. قال: فما بالكم لا تصيبكم الآفاتُ كما تصيب الناس؟ قالوا: لا نتوكل على غير الله، ولا نعمل بأنواء النجوم. قال: حدِّثوني، أهكذا وجدتم آباءكم يفعلون؟ قالوا: نعم، وجدنا آباءنا يرحمون مساكينهم، ويواسون فقراءهم، ويعفون عمَّن ظلمهم، ويُحْسِنون إلى مَن أساء إليهم، ويحلمون عمَّن جهل عليهم، ويستغفرون لِمَن سبَّهم، ويَصِلون أرحامهم، ويَرُدُّون أماناتهم، ويحفظون وقتهم لصلاتهم، ويُوفُون بعهودهم، ويَصْدُقون في مواعيدهم، ولا يرغبون عن أكفائهم، ولا يستنكفون عن أقاربهم، فأصلح الله بذلك أمرَهم، وحفظهم به ما كانوا أحياء، وكان حقًّا عليه أن يخلفهم في تَرِكَتِهم. فقال لهم ذو القرنين: لو كنت مقيمًا لأقمت فيكم، ولكني لم أؤمر بالإقامة (١) [٤٠٨٤]. (٩/ ٦٤٠ - ٦٥٠)


[٤٠٨٤] انتقد ابنُ عطية (٥/ ٦٦٠) ما ورد في هذا الأثر من أنهم كانوا يرزقون التنين، فقال: «وروي في أمر يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ أن أرزاقهم هي من التنين يمطرونها، ونحو هذا مما لم يصح».
وانتقد (٥/ ٦٦٣ بتصرف) كذلك ما جاء في هذا القول من أنّ طول السد ما بين طرفي الجبلين مائة فرسخ، بقوله: «هذا مما لا ثبوت له».
وانتقد ابنُ كثير (٩/ ١٩١) قول وهب، فقال: «وقد ذكر ابنُ جرير هاهنا عن وهب بن منبه أثرًا طويلًا عجيبًا في سَيْر ذي القرنين، وبنائه السد، وكيفية ما جرى له، وفيه طول وغرابة ونكارة في أشكالهم وصفاتهم، وطولهم وقصر بعضهم، وآذانهم. وروى ابن أبي حاتم أحاديث غريبة في ذلك لا تصح أسانيدها».

<<  <  ج: ص:  >  >>