للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: لَمّا بلغت مريم، فبينما هي في بيتها مُتَفَضِّلة (١) إذ دخل عليها رجلٌ بغير إذن، فخشيت أن يكون دخل عليها لِيَغْتالَها، فقالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك}. فجعل جبريل يردد ذلك عليها، وتقول: {أنى يكون لي غلام}. وتَغَفَّلَها جبريل، فنفخ في جَيْب دِرْعِها، ونهض عنها، واستمرَّ بها حملُها، فقالت: إن خَرَجْتُ نحو المغرب فالقوم يصلون نحو المغرب، ولكن أخْرُجُ نحو المشرق حيث لا يراني أحد. فخَرَجَتْ نحو المشرق، فبينما هي تمشي إذ فجأها المخاض، فنظرت هل تجد شيئًا تستر به، فلم ترَ إلا جِذْعَ النخلة، فقالت: أستترُ بهذا الجذع مِن الناس. وكان تحت الجذع نهر يجري، فانضمَّت إلى النخلة، فلمّا وضَعَتْهُ خَرَّ كل شيء يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجدًا لوجهه، وفزع إبليس، فخرج، فصعد، فلم ير شيئًا ينكره، وأتى المشرق فلم ير شيئًا يُنكره، ودخل الأرض فلم ير شيئًا يُنكره، وجعل لا يصبر، فأتى المغرب لينظر، فلم ير شيئًا ينكره، فبينا هو يطوف إذ مَرَّ بالنخلة، فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته، وإذا بالملائكة قد أحْدَقُوا بها وبابنها وبالنخلة، فقال: ههنا حَدَث الأمر. فمال إليهم، فقال: أيُّ شيء هذا الذي حدث؟ فكلَّمَتْه الملائكة، فقالوا: نبيٌّ وُلِد بغير ذَكَر. قال: نبيٌّ وُلِد بغير ذَكَر! قالوا: نعم. قال: أما -واللهِ- لَأُضِلَّنَّ به أكثر العالمين. أضلَّ اليهود فكفروا به، وأضلَّ النصارى فقالوا: هو ابن الله. قال: وناداها مَلَك مِن تحتها: {قد جعل ربك تحتك سريا}. قال إبليس: ما حَمِلَتْ أُنثى إلا بعلمي، ولا وضعته إلا على كَفِّي، ليس هذا الغلام، لم أعلم به حين حَمَلَتْهُ أمه، ولم أعلم به حين وضعته (٢). (١٠/ ٤٠)

٤٦٣١١ - عن عبد الله بن عباس -من طريق جويبر، عن الضحاك- في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قُصَّ ذكرَها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذا انتبذت} يعني: خرجت {من أهلها مكانا شرقيا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق، {فاتخذت من دونهم حجابا} وذلك أنّ الله لَمّا أراد أن يبتدئها بالكرامة، ويُبَشِّرها بعيسى، وكانت قد اغتسلت من المحيض، فتَشَرَّفت،


(١) أي: لابسة الثياب التي يلبسها الإنسان في البيت للراحة مِن قميص ونحوه، دون ثياب التصرف والثياب التي يلقى بها الناس. لسان العرب (فضل).
(٢) أخرجه ابن عساكر ٧٠/ ٨١ - ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>