ورجَّح ابنُ جرير (١٥/ ٥٠٥) مستندًا إلى اللغة، والسياق، والدلالات العقلية القولَ الأول الذي قاله مجاهد، والحسن، ووهب بن منبه، وسعيد بن جبير، وابن زيد، وأبي بن كعب، فقال: «وذلك أنّه من كناية ذِكْرِه أقرب منه مِن ذكر جبريل، فردُّه على الذي هو أقرب إليه أولى مِن ردِّه على الذي هو أبعد منه، ألا ترى في سياق قوله: {فحملته فانتبذت به مكانا قصيا} يعني به: فحملت عيسى فانتبذت به، ثم قيل: {فناداها} نسقًا على ذلك مِن ذكر عيسى والخبر عنه. ولِعِلَّةٍ أخرى، وهي قوله: {فأشارت إليه} ولم تشر إليه -إن شاء الله- إلا وقد علمت أنّه ناطِقٌ في حاله تلك، ولِلَّذي كانت قد عرفت ووثقت به منه بمخاطبته إياها بقوله لها: {أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا}، وما أخبر الله عنه أنّه قال لها: أشيري للقوم إليه. ولو كان ذلك قولًا مِن جبريل لكان خَلِيقًا أن يكون في ظاهر الخبر مُبَيَّنًا أنّ عيسى سينطق، ويَحْتَجُّ عنها للقوم، وأمر منه لها بأن تشير إليه للقوم إذا سألوها عن حالها وحاله». وكذا رجَّحه ابنُ عطية (٦/ ٢٢)، فقال: «والأوَّلُ أظهر، وعليه كان الحسن يُقسِم».