للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان وعدُ اللهِ إبراهيمَ. قال فرعون: فكيف ترون؟ فائْتَمَرُوا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالًا معهم الشِّفار (١)، يطوفون في بني إسرائيل، فلا يجدون مولودًا إلا ذبحوه، ففعلوا، فلمّا رأوا أنّ الكبار يموتون بآجالهم، وأنّ الصغار يُذْبَحون؛ قالوا: يُوشِك أن يفنى بنو إسرائيل؛ فتصيروا أن تُباشِروا الأعمال والخِدْمَة التي كانوا يَكْفُونَكم، فاقتلوا عامًا كل مولود ذكر، فتَقِلُّ أبناؤهم، ودعوا عامًا لا تقتلوا منهم أحدًا، فيَشِبُّ الصِّغارُ مكان مَن يموت مِن الكبار؛ فإنهم لن يكثروا فتخافون مكاثرتهم إيّاكم، ولن يفنوا بمن تقتلون فتحتاجون إليهم. فأجمعوا أمرهم على ذلك، فحملت أمُّ موسى بهارون في العام الذي لا يُذبَح فيه الغلمان، فوَلَدَتْ علانِيَةً آمِنَةً، حتى إذا كان في قابِلٍ حملت بموسى، فوقع في قلبها الهمُّ والحُزن -فذلك مِن الفتون، يا ابن جبير؛ ما دخل عليه في بطن أمه ما يُراد به-، فأوحى الله إليها أن: {لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين} [القصص: ٧]. وأَمَرَها إذا ولَدَتْه أن تجعله في تابوت، ثم تُلقيه في اليمِّ، فلما ولَدْت فَعَلَتْ ما أُمِرَت به، حتى إذا توارى عنها ابنُها أتاها الشيطان، وقالت في نفسها: ما فعلتُ بابني؟! لو ذُبِح عندي فوارَيْتُه وكَفَّنتُه كان أحبَّ إلَيَّ مِن أن ألقيه إلى دوابِّ البحر وحيتانه. فانطلق به الماءُ حتى أوْفى به عند فُرْضَة (٢) مُسْتَقى جواري امرأة فرعون، فرَأَيْنَه، فأخَذْنَه، فهَمَمْنَ أن يَفْتَحْنَ الباب، فقال بعضُهُنَّ لبعض: إنّ في هذا لَمالًا، وإنّا إن فتحناه لم تُصَدِّقنا امرأةُ الملك بما وجدنا فيه. فحَمَلْنه بهيئته، لم يُحَرِّكْنَ منه شيئًا حتى دَفَعْنَه إليها، فلمّا فتحته رأت فيه الغلامَ، فألقي عليها محبةٌ لم تلْقَ منها على أحد مِن البشر قطُّ، {وأصبح فؤاد أم موسى فارغا} [القصص: ١٠] مِن ذِكْرِ كلِّ شيء إلا مِن ذكر موسى. فلمّا سمع الذبّاحون بأمره أقبلوا إلى امرأة فرعون بشِفارِهم، يريدون أن يذبحوه -وذلك مِن الفتون، يا ابن جبير-. فقالت للذبّاحين: آمروني، فإنّ هذا الواحدُ لا يزيد في بني إسرائيل، فإني آتي فرعون فأسْتَوْهِبُه إيّاه، فإن وهبه لي فقد أحسنتم وأجملتم، وإن أمر بذبحه لم ألُمْكُم. فلمّا أتت به فرعونَ قالت: {قرة عين لي ولك لا تقتلوه} [القصص: ٩]. قال فرعون: يكون لكِ، وأما لي فلا حاجة لي فيه. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي يحلف به، لو أقرَّ فرعون بأن يكون قُرَّة عين له كما


(١) الشِّفار: جمع شَفْرة، وهي السِّكِّين العريضَة. النهاية واللسان (شفر).
(٢) فُرْضَة النهر: ثُلْمَتُه التي منها يُستقى. اللسان (فرض).

<<  <  ج: ص:  >  >>