ولكن الريح كانت تدخل في دُبُرِه، وتخرج مِن فِيهِ، فكان ذلك الصوت من ذلك-. فتفرَّق بنو إسرائيل فِرَقًا؛ فقالت فِرْقَةٌ: يا سامريُّ، ما هذا؛ فإنّك أنت أعلمُ به؟ فقال: هذا ربُّكم، ولكن موسى أخطأ الطريق. فقالوا: لا نكذب بهذا حتى يرجع إلينا موسى؛ فإن يك ربَّنا لم يكن ضَيَّعنا وعجزنا حين رأيناه، وإن لم يكن ربَّنا فإننا نتبع قول موسى. وقال فرقة: هذا مِن عمل الشيطان، وليس ربَّنا، ولا نُصَدِّق به ولا نؤمن. وأشرب فرقة في قلوبهم التصديق بما قال السامريُّ في العِجل، وأعلنوا التكذيب، فقال لهم هارون:{يا قومِ، إنما فتنتم به، وإن ربكم الرحمن}[طه: ٩٠]، وليس هكذا. قالوا: فما بالُ موسى وعدنا ثلاثين ليلة، ثم أخلفنا، فهذه أربعون ليلة. فقال سفهاؤهم: أخطأ ربَّه، فهو يطلبه ويتبعه. فلما كلَّم الله موسى، وقال ما قال له، وأخبره بما لقي قومه من بعده، فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفًا، فقال لهم ما سمعتم في القرآن، وألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه يجره إليه من الغضب، غير أنه عَذَرَ أخاه، واستغفر ربه، ثم انصرف إلى السامريِّ، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: قبضت قبضة من أثر الرسول، وفَطِنتُ وعُمِّيَتْ عليكم، فقذفتها، وكذلك سولت لي نفسي. قال:{فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس} إلى قوله: {في اليم نسفا}. ولو كان إلهًا لم يخلص إلى ذلك!
فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة، واغتبط الذين كان رأيُهم رأيَ هارون، فقالوا: يا موسى، سل ربك أن يفتح لنا بابَ توبة نعملها، وتُكَفِّر عنا ما عملنا. فاختار موسى من قومه سبعين رجلًا لذلك، لا يألو لخير؛ خيار بني إسرائيل، ومَن لم يُشْرِك في العِجْل، فانطلق بهم ليسأل ربَّهم التوبة، فرجفت الأرضُ بهم، فاستحيا موسى - عليه السلام - مِن قومه ووفده حين فعل بهم ذلك، فقال:{رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا} الآية [الأعراف: ١٥٥]. ومنهم مَن قدِ اطَّلع اللهُ منه على ما أشرب قلبه العِجل والإيمان به؛ فلذلك رجفت بهم الأرض، فقال:{رحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون} إلى قوله: {والإنجيل}[الأعراف: ١٥٦]. فقال: ربِّ، سألتُك التوبةَ لقومي، فقلتَ: إنّ رحمتك كتبتها لقومٍ غير قومي! فليتك أخَّرتني حتى أخرج في أُمَّة ذلك الرجل المرحومة. قال الله - عز وجل -: فإنّ توبتهم أن يقتل كلُّ رجل منهم كُلَّ مَن لَقِيَ مِن والد أو ولد، فيقتله بالسيف، ولا يُبالِي مِن قبل ذلك الموطن. فتاب أولئك الذين كان خَفِي على موسى وهارون ما اطَّلع الله عليه مِن ذنوبهم، فاعترفوا بها، وفعلوا ما أُمِروا به، فغفر اللهُ للقاتل والمقتول.