وكذلك أفادت الآثارُ اختلافَهم في صفة التفريق بينهم الذي خشيه هارون - عليه السلام - على أقوال: الأول: أن يسير هارون بطائفة منهم، ويَتْرُك طائفة أخرى وراءه لاختلاف معتقدهم. والثاني: أن يقتَتِلوا فيَقْتُل بعضهم بعضًا. ووجَّه ابنُ عطية (٦/ ١٢٥) ذلك، فقال: «ويحتمل قوله: {ألا تَتَّبِعَنِ} أي: ببني إسرائيل نحو جبل الطور، فيجيء اعتذار هارون - عليه السلام - بمعنى: إنِّي لو فعلتُ ذلك مَشَتْ معي طائفة، وأقامت طائفةٌ على عبادة العجل، فتفرَّق الجمْع، فخفْتُ لومَك على التفريق. ويحتمل قوله: {ألا تَتَّبِعَنِ} أي: ألا تسير بسيرتي وعلى طريقتي في الإصلاح والتسديد، فيجيء اعتذار هارون - عليه السلام - بمعنى: إنّ الأمر كان متفاقمًا، فلو تقوَّيتُ عليه وقع القتال واختلاف الكلمة، فكان تفريقًا بين بني إسرائيل، وإنما لايَنْتُ جهدي». ورجَّح ابنُ جرير (١٦/ ١٤٧ بتصرف) مستندًا إلى دلالة السياق بأن موسى لامَ أخاه هارون «على تَرْكِه اتباع أمْرِه في السير بمن اتَّبَعه مِن أهل الإيمان، فقال له هارون: إني خشيت أن تقول: فرَّقْتَ بيْن جماعتهم؛ فتَرَكْتَ بعضهم وراءك، وجئتَ ببعضهم». وهو قول ابن عباس، وابن زيد، وعلَّل ذلك بقوله: «وذلك بيِّنٌ في قول هارون للقوم: {يا قَوْمِ إنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وإنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فاتَّبِعُونِي وأَطِيعُوا أمْرِي}، وفي جواب القوم له وقيلهم: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ إلَيْنا مُوسى}».