ورجَّح ابنُ جرير (١٦/ ١٩٨ - ١٩٩) مستندًا إلى السنة والسياق القولَ الثاني، وهو قول أبي سعيد الخدري، وابن مسعود، وأبي هريرة، وأبي صالح، والربيع، والسدي، وعلَّل ذلك بحديث أبي هريرة المرفوع الثالث المتقدم في آثار تفسير الآية، وبـ «أن الله -تبارك وتعالى- أتْبَع ذلك قولَه: {ولَعَذابُ الآخِرَةِ أشَدُّ وأَبْقى}، فكان معلومًا بذلك أنّ المعيشة الضنك التي جعلها الله لهم قبل عذاب الآخرة». وانتقد ابنُ جرير (١٦/ ١٩٩) القول الثالث بأن «ذلك لو كان في الآخرة لم يكن لقوله: {ولَعَذابُ الآخِرَةِ أشَدُّ وأَبْقى} معنًى مفهوم؛ لأنّ ذلك إن لم يكن تقَدَّمه عذابٌ لهم قبل الآخرة، حتى يكون الذي في الآخرة أشدَّ منه؛ بطل معنى قوله: {ولَعَذابُ الآخِرَةِ أشَدُّ وأَبْقى}». وانتقد مستندًا لدلالة العقل القول الأول بأنّ المعيشة الضنك إن «كانت لهم في حياتهم الدنيا فقد يجب أن يكون كل مَن أعْرَض عن ذكر الله مِن الكفار فإنّ معيشته فيها ضنكٌ، وفي وجودنا كثيرًا منهم أوسَع معيشةً من كثيرٍ من المُقْبِلين على ذكر الله -تبارك وتعالى- القابلين له المؤمنين؛ ما يدل على أن ذلك ليس كذلك». ووجَّه ابنُ عطية (٦/ ١٤٢) القول الثاني بقوله: «وحمل هذه الفرقة على هذا التأويل أنّ لفظ الآية يقتضي أن المعيشة الضنك قبل يوم القيامة بقوله: {ونَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيامَةِ أعْمى}، وبقوله تعالى: {ولَعَذابُ الآخِرَةِ أشَدُّ وأَبْقى}».