للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وذلك أنّ كفار قريش استعجلوا بالعذاب في الدنيا مِن قبل أن يأتيهم تكذيبًا به، كما استعجل آدم - عليه السلام - الجلوس مِن قبل أن تتمَّ فيه الروحُ مِن قِبَل رأسِه يوم الجمعة، فأراد أن يجلس مِن قبل أن تتمُّ فيه الروح إلى قدميه، فلما بلغت الروح وسطه -ونظر إلى حُسْن خلقه أراد أن يجلس ونصفُه طين، فورِث الناسُ كلُّهم العجلةَ مِن آدم - عليه السلام - لم تجد منفذًا، فرجعت مِن أنفه، فعطس، فقال: الحمد لله رب العالمين. فهذه أولُ كلمة تكلَّم بها. وبلغنا: أنّ الله - عز وجل - ردَّ عليه، فقال: لهذا خلقتك؛ يرحمك ربك. فسبقت رحمتُه غضبَه، فلما استعجل كفار مكة العذاب في الدنيا نزلت: {خلق الإنسان من عجل} لأنهم مِن ذُرِّيَّته (١). (ز)

٤٩٠٦١ - عن عبد الملك ابن جُرَيْج، قال: نفخ الربُّ -تبارك وتعالى- الروحَ في يأفوخ آدم، فأبصر ولم يعقل، حتى إذا بلغ الروحُ قلبَه ونظر فرأى الجنة، فعرف أنه إن قام دخلها -ولم تبلغ الروحُ أسفلَه-، فتحرَّك، فذلك قوله تعالى: {خلق الإنسان من عجل} (٢). (١٠/ ٢٩٥)

٤٩٠٦٢ - عن سفيان الثوري، في قوله: {خلق الانسان من عجل}، قال: آدم (٣). (ز)

٤٩٠٦٣ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: {خلق الإنسان من عجل}، قال: على عجل خُلِقَ آدم آخر ذلك اليوم مِن ذلك اليوم، يريد: يوم الجمعة، وخلقه على عجل، وجعله عجولًا (٤) [٤٣٤٨]. (ز)


[٤٣٤٨] اختُلِف في معنى قوله: {على عجل} على أقوال: الأول: مِن عَجَل في بنْيته وخلقته. والثاني: من تعجيل في خلق الله إيّاه، وأن ذلك كان في تعجل الله خلقه قبل الغروب. وذكر ابنُ جرير (١٦/ ٢٧٣) أن آخرين من أهل العربية -ممن قالوا ذلك أيضًا- وجَّهوا التعجيل مِن الله بأنه كان في الأمر؛ لأنه قال: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} [النحل: ٤٠].
ورجَّح ابنُ جرير (١٦/ ٢٧٤ بتصرف) مستندًا إلى السنة، وظاهر الآية القولَ الأول الذي قاله سعيد بن جبير، والسدي، وقتادة، وعكرمة، فقال: «وإنما قلنا ذلك لدلالة قوله تعالى: {سأريكم آياتي فلا تستعجلون} على ذلك، ولحديث أبي هريرة ... » وساق حديث أبي هريرة الوارد في الآثار المتعلقة بالآية.
وانتقد ابنُ عطية (٦/ ١٦٩) القول الثاني مستندًا لمخالفته لظاهر الآية، فقال: «وهذا قول ضعيف، ومعناه لا يناسب معنى الآية». وكذا (٦/ ١٦٩) توجيه أهل العربية له بأن التعجل كان في الأمر -مستندًا إلى الدلالات العقلية- بأن فيه تخصيص ابن آدم بشيء كل مخلوق يشاركه فيه.
وبنحوه ابنُ جرير (١٦/ ٢٧٣).
وحكى ابنُ عطية (٦/ ١٦٨) في الآية أقوالًا أخرى: أحدها: أن قوله {خلق الإنسان من عجل} على المقلوب. وعلَّق عليه بقوله: «كأنه أراد: خُلق العجل مِن الإنسان، على معنى: أنه جعل طبيعة من طبائعه، وجزءًا من أخلاقه. ثم قال:» وهذا التأويل ليس فيه مبالغة، وإنما هو إخبار مجرد، وإنما حمل قائليه عليه عدمهم وجه التجوز والاستعارة في أن يبقى الكلام على ترتيبه «. وانتقده ابنُ جرير (١٦/ ٢٧٤) مستندًا لمخالفته الإجماع. وثانيها: أن العجل: الطين، والمعنى: خلق آدم من طين. وانتقده (٦/ ١٦٩ بتصرف) مستندًا لمخالفته ظاهر الآية، فقال:» وهذا ضعيف، ومعناه مغاير لمعنى الآية «. وثالثها: أن قوله: {خلق الإنسان من عجل} على جهة المبالغة، كما تقول للرجل البطال: أنت مِن لعب ولهو. ورجَّحه (٦/ ١٦٧ - ١٦٨ بتصرف) مستندًا إلى ظاهر الآية، فقال:» وهذا التأويل يتمُّ به معنى الآية المقصود في أن ذُمَّت عجلتهم، وقيل لهم على جهة الوعيد: إن الآيات ستأتي فَلا تستعجلون".

<<  <  ج: ص:  >  >>