وقد نقلا قولًا آخر لم ينسباه لأحد مِن السلف: أنّ ذلك لم يكن مِن إبراهيم كذبًا، وأن المعنى: إن كانت الآلهة المكسورة تنطق فإنّ كبيرهم هو الذي كسرهم. ووجَّهه ابنُ عطية بقوله: «وفي الكلام تقديم على هذا التأويل في قوله: {فَسْئَلُوهُمْ}». وبيّن ابنُ عطية أنّ أرباب هذا القول وجَّهوا قول النبي: «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات». أي: لم يقل كلامًا ظاهره الكذب أو يشبه الكذب. وانتقد ابنُ جرير هذا القول؛ لخلافه ظاهرَ السنّة، فقال: «وهذا قولٌ خلافُ ما تظاهرت به الأخبارُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّ إبراهيم لم يكذب إلا ثلاث كذبات، كلها في الله، قوله: {بل فعله كبيرهم هذا} وقوله: {إني سقيم} [الصافات: ٨٩] وقوله لسارة: هي أختي. وغير مستحيل أن يكون الله -تعالى ذِكْرُه- أذِن لخليله في ذلك؛ ليقرع قومه به، ويحتج به عليهم، ويعرفهم موضع خطئهم، وسوء نظرهم لأنفسهم، كما قال مُؤَذِّن يوسف لإخوته: {أيتها العير إنكم لسارقون} [يوسف: ٧٠]، ولم يكونوا سرقوا شيئًا». وذكر ابنُ عطية عن الفرّاء قولًا ثالثًا، فقال: «وذهب الفرّاء إلى جهة أخرى بأن قال: قوله: {فَعَلَهُ} ليس مِن الفعل، وإنما هو» فلعلَّه «على جهة التوقع، حذف اللام على قولهم: علَّه بمعنى: لعله، ثم خففت اللام». وانتقده بقوله: «وهذا تكلُّف».