للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أتاه جبريل، فعرض عليه السورة، فلما بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه قال: ما جئتك بهاتين الكلمتين. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «افتريتُ على الله، وقلتُ ما لم يقل!!». فأوحى الله إليه: {وإن كادوا ليفتنونك} إلى قوله: {نصيرا} [الإسراء: ٧٣ - ٧٥]. فما زال مغمومًا مهمومًا مِن شأن الكلمتين حتى نزلت: {وما أرسلنا من قبلك} الآية. فسر عنه، وطابت نفسه (١). (١٠/ ٥٢٩)

٥١٠٣١ - عن محمد بن كعب القرظي -من طريق ابن إسحاق، عن يزيد بن زياد المدني- قال: لَمّا رأى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تَوَلِّيَ قومِه عنه، وشَقَّ عليه ما يرى مِن مُباعَدَتهم ما جاءهم به مِن عند الله؛ تَمَنّى في نفسه أن يأتيه مِن الله ما يُقارِب به بينه وبين قومه، وكان يَسُرُّه -مع حُبِّه وحِرصه عليهم- أن يلين له بعض ما غلظ عليه مِن أمرهم، حين حدَّث بذلك نفسه وتَمَنّى وأحبه، فأنزل الله: {والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى}. فلما انتهى إلى قول الله: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} ألقى الشيطانُ على لسانه لِما كان يُحَدِّث به نفسَه، ويتمنى أن يأتي به قومه: «تلك الغرانِيق العُلى، وإنّ شفاعتهن تُرْتَضى». فلمّا سمعت قريشٌ ذلك فرِحوا وسَرَّهم، وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم، فأصاخوا له، والمؤمنون مُصَدِّقون نبيَّهم فيما جاءهم به عن ربِّهم، ولا يَتَّهمونه على خطأ، ولا وهم، ولا زلل. فلمّا انتهى إلى السجدة منها وختم السورة سجد فيها، فسجد المسلمون بسجود نبيِّهم تصديقًا لِما جاء به، واتِّباعًا لأمره، وسجد مَن في المسجد مِن المشركين مِن قريش وغيرهم لِما سَمِعوا مِن ذكر آلهتهم، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد، إلا الوليد بن المغيرة، فإنّه كان شيخًا كبيرًا، فلم يستطع، فأخذ بيده حَفْنَةً مِن البطحاء، فسجد عليها، ثم تَفَرَّق الناسُ مِن المسجد، وخرجت قريشٌ وقد سَرَّهم ما سمعوا مِن ذكر آلهتهم، يقولون: قد ذكر محمدٌ آلهتنا بأحسن الذِّكر، وقد زعم فيما يتلو أنّها الغرانيق العلى، وأن شفاعتهن ترتضى. وبلغت السجدةُ مَن بأرض الحبشة مِن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: أسلمت قريش. فنهضت منهم رجال، وتَخَلَّف آخرون. وأتى جبرائيلُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا محمد، ماذا صنعت؟! لقد تلوتَ على الناس ما لم آتِك به عن الله، وقلتَ ما لم يُقَل لك، فحزِن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك، وخاف مِن الله


(١) أخرجه ابن جرير في تاريخه ٢/ ٣٤٠ - ٣٤١، وفي تفسيره ١٦/ ٦٠٣ - ٦٠٤. وعزاه السيوطي إلى سعيد بن منصور.
قال ابن كثير في تفسيره ٥/ ٤٤٢: «مرسلًا».

<<  <  ج: ص:  >  >>