وقد رجَّح ابنُ جرير (٢/ ١٤٢) القول الثاني، وهو قول ابن عباس، والربيع بن أنس، وابن إسحاق، مستندًا إلى ظاهر التلاوة، والأخبار الإسرائيليّة، والدلالة العقلية، وعلَّل ذلك بقوله: «وذلك أنّ الله إنما أخبر أنّ التحريف كان من فريق منهم كانوا يسمعون كلام الله، استعظامًا من الله لِما كانوا يأتون من البهتان، بعد توكيد الحجة عليهم والبرهان، وإيذانًا منه -تعالى ذِكْرُه- عبادَه المؤمنين قطْعَ أطماعهم من إيمان بقايا نسلهم بما أتاهم به محمد من الحق والنور والهدى، فقال لهم: كيف تطمعون في تصديق هؤلاء اليهود إياكم، وإنما تخبرونهم عن غَيْبٍ لم يشاهدوه ولم يعاينوه، وقد كان بعضهم يسمع من الله كلامه وأمره ونهيه ثم يبدله ويحرفه ويجحده؟! فهؤلاء الذين بين أظهركم من بقايا نسلهم أحرى أن يجحدوا ما أتيتموهم به من الحق -وهم لا يسمعونه من الله، وإنما يسمعونه منكم- من أوائلهم الذين باشروا كلام الله من الله -جل ثناؤه-، ثم حرَّفوه من بعد ما عقلوه وعلموه متعمدين التحريف». وانتقد ابنُ عطية (١/ ٢٥٩ - ٢٦٠) هذا القول مستندًا إلى دلالة عقلية، فقال: «وفي هذا القول ضعف، ومَن قال: إن السبعين سمعوا ما سمع موسى فقد أخطأ، وأذهب فضيلة موسى - عليه السلام - واختصاصه بالتكليم». وانتقد ابنُ جرير (٢/ ١٤٣) مستندًا إلى دلالة عقلية القول الأول، وهو قول أبي العالية، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وابن زيد، وعلَّل ذلك أنه لو كان تأويل الآية: يسمعون التوراة. لم يكن لقوله: {يسمعون كلام الله} معنى مفهوم؛ لأن ذلك قد سمعه المحرف منهم وغير المحرف، فخصوص المحرف منهم بأنّه كان يسمع كلام الله لا معنى له، وإنما المراد الإخبار عن خاصٍّ من اليهود كانوا أعطوا من مباشرتهم سماع كلام الله ما لم يُعْطَه أحدٌ غير الأنبياء والرسل، ثم بَدَّلوا وحَرَّفوا ما سمعوا من ذلك. وما انتقده ابنُ جرير قبِلَه ابنُ كثير (١/ ٤٦١)؛ لكون الحجة التي استند إليها ابن جرير غير لازمة، فقال: «وهذا الذي ذكره السدي أعم مما ذكره ابن عباس وابن إسحاق، وإن كان قد اختاره ابن جرير لظاهر السياق، فإنه ليس يلزم من سماع كلام الله أن يكون منه كما سمعه الكليم موسى بن عمران، وقد قال الله: {وإنْ أحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: ٦] أي: مُبَلَّغًا إليه». ثم ذكر الآثار عن قتادة، ومجاهد، وأبي العالية.