٢ - أن بعضهم يحكون الخلاف في تفسير التابعي من حيث الاحتجاج به، ثم يحكمون بوجوب اتباعه والأخذ به، دون أن يكون هناك نقاش علمي أو مستند يستندون إليه في تحرير ذلك الخلاف الذي حكوه.
ثم إن كان ما ورد عن الصحابة (١)، والتابعين مأثورًا يجب الأخذ به على اصطلاحهم فما العمل فيما ورد عنهم من خلاف محقق في التفسير؟ وكيف يقال: يجب الأخذ بما وقع التضاد فيه من أقاويلهم؟ !
ذلك مما لم يمرَّ عليه هؤلاء بالبحث والتحرير والتفريق فيما يجب قبوله من أقوالهم مما يجوز فيه الترجيح بين أقاويلهم.
الأمر الثاني: أنهم جعلوا التفسير المأثور بأنواعه الأربعة مقابلًا للرأي، فلحق بمصطلح التفسير بالرأي خلط آخر بسبب هذه المقابلة، وبُنِيتْ على هذا التقسيم معلومات غير صحيحة، ومنها:
١ - أن بعضهم يُقَرِّرون وقوع الاجتهاد في تفسير الصحابة والتابعين، ثم يجعلون ما قالوه بهذا الرأي من قبيل المأثور الذي يجب الأخذ به؛ غافلين عما قرروه من قولهم بأنهم اعتمدوا الرأي، وقالوا فيه بالاجتهاد، فجعلوا رأيهم مأثورًا، ورأي المتأخرين رأيًا.
وإذا كان الصحابة والتابعون قالوا في التفسير برأيهم فليس للقول بأن الرأي مقابل للمأثور عنهم وجه، بل إن هذا الخلط يدل على الحاجة إلى إعادة ترتيب مسألة المأثور والرأي لتناسب واقع التفسير ومنهجه وأصوله، وذلك كالآتي:
أ- يوجد قسم من التفسير هو من قبيل المنقول الذي لا تصرف فيه لأي مفسر من الصحابة ومن بعدهم.
ب- وقع الاجتهاد في التفسير عند الصحابة والتابعين وأتباعهم.
ج- استمر القول بالرأي في التفسير بعدهم، وصار على ثلاثة أنحاء:
أولها: التَّخيُّر من أقوال الصحابة والتابعين وأتباعهم عند اختلاف أقوالهم في التفسير.
ثانيها: إضافة قول معتبر غير مناقض لأقوالهم.
(١) حكى الصباغ الخلاف في الأخذ بقول الصحابي، فوقع فيما وقع فيه من حكم بوجوب الأخذ بالمأثور، ينظر: لمحات في علوم القرآن، ص ١٨٠.