للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حتى حَلَّ العِقال، ثم بعث جمله، فأخذ بخِطام الجمل. قال ابن عمر: فما كلَّمها كلامًا حتى أتى بها رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال عبد الله بن أبي بن سلول المنافق: فَجَرَ بِها، وربِّ الكعبة. وأعانه على ذلك حسّان بن ثابت، ومِسْطَح بن أثاثة، وحَمْنَةُ، وشاع ذلك في العسكر، فبلغ ذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فكان في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - مما قالوا حتى رجعوا إلى المدينة، وأشاع عبدُ الله بن أُبَيٍّ هذا الحديثَ في المدينة، واشْتَدَّ ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالت عائشةُ: فدخلتْ ذاتَ يومٍ أمُّ مِسْطَح، فرأتني وأنا أريد المذهب، فحملت معي السَّطْلَ وفيه ماءٌ، فوقع السطل منها، فقالت: تَعِس مِسْطَح. قالت لها عائشة: سبحان الله! تَسُبِّين رجلًا مِن أهل بدر، وهو ابنُكِ؟ قالت لها أم مسطح: إنّه سال بكِ السَّيْلُ وأنتِ لا تدرين! وأخبَرَتْها بالخبر. قالت: فلمّا أخبرتني أخذتني الحُمّى، فتَقَلَّص ما كان، ولم أجد المذهب. قالت عائشة: وقد كنت أرى مِن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك جفوةً، ولم أدرِ مِن أيِّ شيء هو، فلما حدثتني أمُّ مِسْطَحٍ علمتُ أنّ جفوةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت لِما أخبرتني أمُّ مسطح، فقلتُ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أتأذن لي أن أذهب إلى أهلي؟ قال: «اذهبي». فخرجت عائشةُ حتى أتت أباها، فقال لها: ما لكِ؟ قلت: أخرجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِن بيته. قال لها أبو بكر: فأخرجك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيته وآويك أنا؟! واللهِ، لا آويك حتى يأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأمره رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤويها، فقال لها أبو بكر: واللهِ، ما قيل لنا هذا في الجاهلية قط، فكيف وقد أعزَّنا اللهُ بالإسلام؟ فبَكَتْ عائشةُ، وأمُّها أمُّ رَومان، وأبو بكر، وعبد الرحمن، وبكى معهم أهل الدار، وبلغ ذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فصعد المنبر، فحَمِد الله، وأثنى عليه، فقال: «أيها الناسُ، مَن يعذرني مِمَّن يؤذيني؟». فقام إليه سعد بن معاذ، فسَلَّ سيفَه، وقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه، إن يكن مِن الأوسِ أتيتُك برأسه، وإن يكن مِن الخزرج أمرتَنا بأمرك فيه. فقام سعدُ بن عبادة، فقال: كذبتَ، واللهِ، ما تقدر على قتله، إنّما طلبتنا بذُحُولٍ (١) كانت بيننا وبينكم في الجاهلية. فقال هذا: قال الأوس. وقال هذا: قال الخزرج. فاضطربوا بالنِّعال والحجارة، وتلاطموا، فقام أسيد بن حُضَير، فقال: فيمَ الكلام؟ هذا رسول الله يأمرنا بأمره، فينفُذُ عن رغم أنف مَن رغِم. ونزل جبريلُ وهو على المنبر، فلمّا سُرِّي عنه تلا عليهم ما نزل به جبريل: {وان طائفتان من المؤمنين


(١) ذُحُول: جمع ذَحْل، وهو الثأْر. وقيل: طَلب مكافأَة بِجِناية جُنِيَت عليك أو عداوة أُتِيَت إليك. وقيل: هو العداوة والحقد. اللسان (ذحل).

<<  <  ج: ص:  >  >>