للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اقتتلوا} [الحجرات: ٩] إلى آخر الآيات. فصاح الناس: رضينا بما أنزل الله. وقام بعضُهم إلى بعض، فتلازموا، وتصايحوا، فنزل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن المنبر، وانتظر الوحيُ في عائشة، فبعث النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد، وبريرة، وكان إذا أراد أن يستشير في أمر أهله لم يَعْدُ عَلِيًّا، وأسامةَ بعد موت أبيه زيد. فقال لعلي: «ما تقول في عائشة؟ فقد أهمني ما قال الناس». قال: يا رسول الله، قد قال الناس، وقد حلَّ لك طلاقُها. وقال لأسامة: «ما تقول أنت؟». قال: سبحان الله! ما يَحِلُّ لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك هذا بهتان عظيم. فقال لبريرة: «ما تقولين، يا بريرة؟». قالت: واللهِ، يا رسول الله، ما علِمْتُ على أهلِكَ إلا خيرًا، إلا أنها امرأة نَؤُوم، تنام حتى تجيءَ الدّاجِنُ فتأكل عجينها، وإن كان شيءٌ مِن هذا ليخبرنك اللهُ. فخرج - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى منزلَ أبي بكر، فدخل عليها، فقال لها: «يا عائشة، إن كنتِ فعلتِ هذا الأمرَ فقولي لي حتى أستغفرَ اللهَ لكِ». فقالت: واللهِ، لا أستغفر الله منه أبدًا، إن كنتُ قد فعلتُه فلا غَفَرَ الله لي، وما أجد مَثَلي ومَثَلُكم إلا مَثَلَ أبي يوسف -وذهب اسم يعقوب مِن الأسف-، قال: {انما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون} [يوسف: ٨٦]. فبينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُكَلِّمها إذ نزل جبريلُ بالوحي، فأخذتِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نعسةٌ، فسُرِّي وهو يتبسم، فقال: «يا عائشةُ، إنّ الله قد أنزل عذركِ». فقالت: بحمد الله، لا بحمدك. فتلا عليها سورةَ النور إلى الموضع الذي انتهى خبرُها وعذرُها وبراءتُها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قُومي إلى البيت». فقامت، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد، فدعا أبا عبيدة بن الجراح، فجمع الناس، ثم تلا عليهم ما أنزل الله من البراءة لعائشة، وبعث إلى عبد الله بن أُبَيٍّ، فجيء به، فضربه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّيْن، وبعث إلى حسان ومسطح وحمنة، فضُرِبوا ضربًا وجيعًا، ووَجَأَ (١) في رقابهم. قال ابن عمر: إنّما ضرب رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أُبَيٍّ حَدَّيْن؛ لأنّه مَن قذف أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فعليه حَدّان. فبعث أبو بكر إلى مِسْطَح: لا وصَلْتُك بدرهمٍ أبدًا، ولا عطفتُ عليك بخير أبدًا. ثم طرده أبو بكر، وأخرجه من منزله، فنزل القرآن: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم} إلى آخر الآية. فقال أبو بكر: أما إذ نزل القرآن يأمرني فيك لأُضاعِفَنَّ لك. وكانت امرأة عبد الله بن أُبَيٍّ مُنافقة معه؛ فنزل القرآن: {الخبيثات} يعني: امرأة عبد الله {للخبيثين} يعني: عبد الله، {والخبيثون


(١) الوَجْءُ: اللَّكْزُ. ووَجَأَه باليَدِ والسِّكِّينِ وجْأً: ضَربَه. ووَجَأَ في عُنُقِه كذلك. اللسان (وجأ).

<<  <  ج: ص:  >  >>