للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والاختيار من أقوال المختلفين من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ولم يجمد على نقل الأقوال.

الثالثة: أنه جعل منهج الطبري كمنهج ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم، وشتان بين منهج الطبري الناقد المعتمد على روايات السلف، ومنهج هؤلاء الذين اعتمدوا النقل فقط دون التعقيب والتعليق، وهذا المنهج الذي سلكوه لا يُعاب عليهم؛ لأنهم لم يشترطوا التعليق على الآيات والتعقيب على المرويات، بل كانوا يوردون ما وصلهم من تفاسير السلف، وهم بهذا لا يُعدون مفسرين، بل هم ناقلو تفسير.

ومن هنا ترى أن الشيخ ابن عاشور يرى أن من التزم بالمأثور فإنه لا يكون له رأي كالطبري، وأن من لم يلتزم بالمأثور فللَّه درّه! كما قال.

وقد سبق أن ذكرت لك أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم اعتمدوا التفسير بالرأي وقالوا به (١)، وأن من الأخطاء التي وقعت مقابلة أقوالهم التي هي من قبيل الرأي بأقوال أبي عبيدة والفراء وغيرهم، بل الأعجب من ذلك أن تفاسيرهم اللغوية تجعل من المأثور وتُقابل بتفاسير أبي عبيدة والفراء والزجاج اللغوية، وتجعل هذه لغوية (٢).

٤ - افتراض وقوع الاختلاف بين المأثور والرأي، وكيفية معالجته:

بنى الشيخ عبد العظيم الزرقاني (ت: ١٣٦٧ هـ) افتراضًا جدليًّا في وقوع التعارض بين


(١) إن قيل: ذكرتم في الموسوعة تفاسير السلف التي هي من قبيل الرأي، مع أن الموسوعة للتفسير المأثور؟ !
أجيب بأن وصف التفسير بالمأثور لا يلزم منه أن لا يكون تفسيرًا بالرأي أو بالنظر والاجتهاد؛ فقد يكون مأثورًا؛ لأنه منقول عن الغير، وهو بالنسبة إلى قائله مقول برأيه أو نظره واجتهاده؛ وبهذا يتبين أن التفسير المأثور نوعان: مطلق ونسبي، فالمطلق ما أُثر عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وما ورد من أسباب النزول الصريحة، وما أجمع عليه، وما يكون له وجه واحد في المعنى لا غير، لأنه لا مجال في هذا للرأي.
والتفسير المأثور النسبي هو ما عدا ما سبق مما يرويه الخلف عن السلف إلى الصحابة -رضي اللَّه عنهم-.
فليس كل ما يسمى تفسيرًا مأثورًا يكون قسيمًا للتفسير بالرأي؛ فالتفسير المأثور الذي يعتبر قسيمًا للتفسير بالرأي هو التفسير المأثور المطلق، أما التفسير المأثور النسبي فهو في أصله تفسير بالرأي.
فتفاسير السلف التي هي من قبيل الرأي من التفسير المأثور النسبي؛ أي: بالنسبة لمن ينقل عنهم؛ ومن ذلك نقلنا عنهم في الموسوعة.
(٢) ولم تُعتمد أقوال اللغويين في الموسوعة وإن كانوا من طبقة السلف كأبي عبيدة والفراء؛ بناء على كون الذين جمعوا التفسير المأثور لم يذكروهم؛ لأنهم ليسوا من أهل الأثر والرواية والرأي المعتمد على ذلك. . .

<<  <  ج: ص:  >  >>