للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا}، قال: كانوا إذا اجتمعوا ليأكلوا طعامًا؛ عزلوا للأعمى على حدة، والأعرج على حدة، والمريض على حدة، كانوا يتحرجون أن يتفضلوا عليهم، فنزلت هذه الآية رخصة لهم: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا} (١). (ز)

٥٤١٢٩ - قال مقاتل بن سليمان: ثم قال سبحانه: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا} وذلك أنهم كانوا يأكلون على حدة، ولا يأكلون جميعًا، يرون أنّ أكله ذنب، يقول الله - عز وجل -: {أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا} وكانت بنو ليث بن بكر لا يأكل الرجل منهم حتى يجد مَن يأكل معه، أو يدركه الجهد، فيأخذ عَنَزَة (٢) له فيركزها، ويلقى عليها ثوبًا تحرُّجًا أن يأكل وحده، فلمّا جاء الإسلام فعلوا ذلك، وكان المسلمون إذا سافروا اجتمع نفرٌ منهم، فجمعوا نفقاتهم وطعامهم في مكان، فإن غاب رجلٌ منهم لم يأكلوا حتى يرجع صاحبهم مخافة الإثم. فنزلت: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا} إن كنتم جماعة، {أو أشتاتا} يعني: مُتَفَرِّقين (٣). (ز)

٥٤١٣٠ - عن مقاتل بن حيان: {أو أشتاتا} إذا كنتم متفرقين؛ فإن غاب أحدكم فإذا جاء فليأكل نصيبه، ولا بأس (٤). (ز)

٥٤١٣١ - عن عبد الملك ابن جُرَيج -من طريق حجّاج- قال: كانت بنو كنانة يستحي الرجل منهم أن يأكل وحده، حتى نزلت هذه الآية (٥). (ز)

٥٤١٣٢ - قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا}، قال: كان مِن العرب مَن لا يأكل أبدًا جميعًا، ومنهم مَن لا يأكل إلا جميعًا، فقال الله ذلك (٦) [٤٦٩٩]. (ز)


[٤٦٩٩] أفادت الآثار اختلاف المفسرين في المعنيِّ بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أوْ أشْتاتًا} على أقوال: الأول: كان الغنيّ مِن الناس يجد في نفسه أن يأكل مع الفقير، فرخَّص لهم في الأكل معهم. الثاني: عُنِيَ بذلك: حيٌّ من أحياء العرب، كانوا لا يأكل أحدهم وحده، ولا يأكل إلا مع غيره، فأذن الله لهم أن يأكل من شاء منهم وحده أو مع غيره. الثالث: عُنِيَ بذلك قومٌ كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم، فرخَّص لهم في أن يأكلوا كيف شاءوا.
ورجَّح ابنُ جرير (١٧/ ٣٧٧) العموم، فقال: «إنّ الله وضع الحرج عن المسلمين أن يأكلوا جميعًا معًا إذا شاءوا، أو أشتاتًا متفرقين إذا أرادوا، وجائزٌ أن يكون ذلك نزل بسبب مَن كان يتحوَّب مِن الأغنياء الأكل مع الفقير، وجائزٌ أن يكون نزل بسبب القوم الذين ذُكِر أنهم كانوا لا يَطْعَمون وُحْدانًا، وبسبب غير ذلك؛ ولا خبر بشيءٍ من ذلك يقطع العذر، ولا دلالة في ظاهر التنزيل على حقيقة شيءٍ منه. والصواب التسليم لما دل عليه ظاهر التنزيل، والتوقف فيما لم يكن على صحته دليل».

<<  <  ج: ص:  >  >>