وقد رجّح ابنُ جرير (١٧/ ٤٨٤) مستندًا إلى اللغة القولَ الثاني، فقال: "لأن ذلك في كلام العرب {ولو كنتم في بروج مشيدة} [النساء: ٧٨]، وقول الأخطل: كأنها برجُ رُومِيٍّ يُشَيِّده بانٍ بِحص وآجُرٍّ وأحجار يعني بالبرج: القصر". وقال ابنُ عطية (٦/ ٤٥٢): «والبروج هي التي علمتها العرب بالتجربة، وكل أمة مُصحِرة، وهي الشهور عند اللغويين وأهل تعديل الأوقات، وكل برج منها على منزلتين وثلث مِن منازل القمر التي ذكرها الله تعالى في قوله: {والقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ} [يس: ٣٩]، والعرب تسمي البناء المرتفع المستغني بنفسه: برجًا، تشبيهًا ببروج السماء». وذكر ابنُ عطية القول الأول، وعلّق عليه قائلًا: «حكاه الثعلبي عن أبي صالح، وهذا غير ما بيناه إلا أنه غير مُخلَّص». وذكر ابن عطية (٦/ ٤٥٢) في الآية قولًا ثالثًا لم ينسبه لأحد مِن السلف: أنّ البروج قصور في الجنة. ثم انتقده مستندًا إلى الدلالة العقلية بقوله: «وأما القول بأنها قصور في الجنة فقول يحط غرض الآية في التنبيه على أشياء مُدرَكات تقوم بها الحُجَّة على كل مُنكِر لله أو جاهل به». وذكر ابنُ كثير (١٠/ ٣١٨) القولين، ثم رجّح مستندًا إلى النظائر الأول، فقال: «والقول الأول أظهر، اللهم إلا أن يكون الكواكب العظام هي قصور للحرس، فيجتمع القولان، كما قال تعالى: {ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين} [الملك: ٥]؛ ولهذا قال: {تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا} وهي الشمس المنيرة، التي هي كالسراج في الوجود، كما قال: {وجعلنا سراجا وهاجا} [النبأ: ١٣]».