يكن في الأرض قومٌ أحَبَّ إلَيَّ مِن النصارى، ولا دينٌ أحَبَّ إلَيَّ مِن النصرانية؛ لِما رأيتُ مِن اجتهادهم، فبينا أنا كذلك إذ قالوا: قد بُعِث في العرب نبيٌّ. ثم قالوا: قدِم المدينة. فأتيته، فجعلتُ أسأله عن النصارى، قال:«لا خيرَ في النصارى، ولا أُحِبُّ النصارى». قال: فأخبرتُه أنّ صاحبي قال: لو أدركتُه فأمرني أن أقع في النار لوقعتها. قال: وكنت قد استُهْتِرت بحبِّ النصارى، فحدَّثْتُ نفسي بالهرب، وقد جرَّد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - السيفَ، فأتاني آتٍ، فقال: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوك. فقلت: اذْهَب حتى أجيء. وأنا أُحَدِّث نفسي بالهرب، فقال لي: لن أُفارِقك حتى أذهب بك إليه. فانطلقت معه، فلما رآني قال:«يا سلمان، قد أنزل الله عذرك:{الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون}»(١). (١١/ ٤٨١)
٥٨٩١٧ - عن سلمان الفارسي -من طريق سلامة العجلي- قال: أنا رجل مِن أهل رامهرمز، كُنّا قومًا مجوسًا، فأتانا رجلٌ نصرانيٌّ مِن أهل الجزيرة، فنزل فينا، واتَّخذ فينا دِيرًا، وكنت في كُتّاب في الفارسية، وكان لا يزال غلام معي في الكُتّاب يجيء مضروبًا يبكي قد ضربه أبواه. فقلت له يومًا: ما يبكيك؟ قال: يضربني أبواي. قلت: ولم يضربانك؟ قال: آتي صاحبَ هذا الدير، فإذا علِما ذلك ضرباني، وأنت لو أتيتَه سمعتَ منه حديثًا عجيبًا. قلتُ: فاذهب بي معك. فأتيناه، فحدَّثنا عن بَدْءِ الخلق، وعن بَدْءِ خلق السموات والارض، وعن الجنة والنار، فحدَّثنا بأحاديث عجب، وكنت أختلف إليه معه، ففطِن لنا غِلمان مِن الكتاب، فجعلوا يجيئون معنا، فلما رأى ذلك أهلُ القرية أتوه، فقالوا: يا هذا، إنّك قد جاورتنا، فلم نرَ مِن جوارك إلا الحسن، وإنّا نرى غِلماننا يختلفون إليك، ونحن نخاف أن تُفسدهم علينا، أخِّر عنّا. قال: نعم. فقال لذلك الغلام كان يأتيه: اخرُج معي. قال: لا أستطيع ذلك، قد علمتَ شدة أبَوَيَّ عَلَيَّ. قلت: لكنني أخرج معك. وكنت يتيمًا لا أب لي، فخرجت معه، فأخذنا جبلَ رامهرمز، فجعلنا نمشي ونتوكل، ونأكل مِن ثمر الشجر، حتى قدمنا الجزيرة، فقدمنا نَصِيبِين، فقال لي صاحبي: يا سلمان، إنّ ههنا قومًا عُبّاد أهل الأرض، وأنا أُحِبُّ أن ألقاهم. فجئنا إليهم يومَ الأحد وقد اجتمعوا، فسلَّم عليهم صاحبي، فحيَّوه، وبشُّوا به، وقالوا: أين كان غيبتك؟ قال: كنت في إخوان لي مِن قِبَل فارس. فتحدَّثنا ما تحدَّثنا، ثم قال لي صاحبي: قم، يا سلمان، انطلق. قلت: لا، دعني مع هؤلاء. قال: إنّك لا تطيق ما يُطيق هؤلاء؛ يصومون