للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأحد إلى الأحد، ولا ينامون هذا الليل. وإذا فيهم رجلٌ مِن أبناء الملوك، ترك الملِك، ودخل في العبادة، فكنتُ فيهم حتى أمسينا، فجعلوا يذهبون واحدًا واحدًا إلى غارِه الذي يكون فيه، فلمّا أمسينا قال ذاك الرجل الذي مِن أبناء الملوك: هذا الغلامُ ما تضيفونه؟ ليأخذه رجلٌ منكم. فقالوا: خُذه أنت. فقال لي: قُم، يا سلمان. فذهب بي معه حتى أتى غارَه الذي يكون فيه، فقال لي: يا سلمانُ، هذا خبز، وهذا أدم، فكل إذ غَرِثْتَ (١)، وصُم إذا نشطت، وصَلِّ ما بدا لك، ونَم إذا كسلت. ثم قام في صلاته، فلم يكلمني إلا ذاك، ولم ينظر إلَيَّ، فأخذني الغمُّ تلك السبعة الأيام، لا يكلمني أحد، حتى كان الأحد، فانصرف إلَيَّ، فهبت إلى مكانهم الذي كانوا يجتمعون، وهم يجتمعون كلَّ أحد يفطرون فيه، فيلقى بعضُهم بعضًا، فيُسَلِّم بعضُهم على بعض، ثم لا يلتقون إلى مثله، فرجعت إلى منزلنا، فقال لي مثلَ ما قال لي أول مرة: هذا خبز، وهذا أدم، فكل منه إذا غرثت، وصم إذا نشطت، وصلِّ ما بدا لك، ونم إذا كسلت. ثم دخل في صلاته، فلم يلتفت إلَيَّ، ولم يكلمني إلى الأحد الآخر، فأخذني غمٌّ، وحَدَّثْتُ نفسي بالفرار، فقلت: اصبر أحَدَين أو ثلاثة. فلما كان الأحدُ رجعنا اليهم، فأفطروا واجتمعوا، فقال لهم: إنِّي أُريد بيت المقدس. فقالوا له: وما تُريد إلى ذاك؟ قال: لا عهد لي به. قالوا: إنّا نخاف أن يَحْدث بك حَدَثٌ فيَلِيكَ غيرُنا، وكُنّا نُحِبُّ أن نليك. قال: لا عهد لي به. فلمّا سمعته يذكر ذاك فرحتُ؛ قلتُ: نُسافِر، ونلقى الناس، فيذهب عنِّي الغمُّ الذي كنت أجد. فخرجت أنا وهو، وكان يصوم مِن الأحد إلى الأحد، ويصلي الليل كله، ويمشي بالنهار، فإذا نزلنا قام يصلي، فلم يزل ذاك دأبه حتى انتهينا إلى بيت المقدس، وعلى الباب رجلٌ مُقْعَد يسأل الناس، فقال: أعطِني. فقال: ما معي شيء. فدخلنا بيت المقدس، فلمّا رآه أهلُ بيت المقدس بَشُّوا به، واستبشروا به، فقال لهم: غلامي هذا، فاستوصوا به. فانطلقوا بي، فأطعموني خبزًا ولحمًا، ودخل في الصلاة، فلم ينصرف إلَيَّ حتى كان يوم الأحد الآخر، ثم انصرف، فقال لي: يا سلمان، إني أريد أن أضع رأسي، فإذا بلغ الظِلُّ مكان كذا وكذا فأيقِظني. فوضع رأسه، فبلغ الظِلُّ الذي قال، فلم أوقظه مَأْواةً (٢) له مِمّا رأيتُ مِن اجتهاده ونَصَبِه، فاستيقظ مذعورًا، فقال: يا سلمان، ألم أكن قلتُ لك: إذا بلغ الظِلُّ مكانَ كذا وكذا فأيقظني؟! قلت: بلى، ولكن إنّما منعني مأواةً لك لِما رأيتُ مِن دأبك. قال:


(١) أي: جُعْتَ. النهاية (غرث).
(٢) آوي له: أرِقُّ وأرثي له. النهاية (أوى).

<<  <  ج: ص:  >  >>