[٣٩٨] بيَّن ابن جرير (٢/ ٣٣١ بتصرف) أنّ (ما) في قوله تعالى: {وما أنزل على الملكين} -على هذا القول- معناها الجحد، وهي بمعنى: لم. ثم قال مُعَلِّقًا عليه: «فتأويل الآية على هذا المعنى: واتبعوا الذي تتلو الشياطين على ملك سليمان من السحر، وما كفر سليمان، ولا أنزل الله السحرَ على المَلَكَيْن، {ولَكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النّاسَ السِّحْرَ} ببابل هاروت وماروت، فيكون حينئذ قوله: {بِبابِلَ هارُوتَ ومارُوتَ} من المُؤَخَّرِ الذي معناه التقديم. فإن قال لنا قائل: وكيف وجه تقديم ذلك؟ قيل: وجه تقديمه أن يقال: واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما أنزل على الملكين، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت، فيكون مَعْنِيًّا بالمَلَكَيْن: جبريل وميكائيل؛ لأن سحرة اليهود فيما ذكر كانت تزعم أنّ الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود، فأكذبها الله بذلك، وأخبر نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أن جبريل وميكائيل لم يَنزِلا بسحر قَطّ، وبَرَّأَ سليمانَ مِمّا نَحَلوه من السحر، فأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين، وأنها تُعَلِّم الناس ببابل، وأن الذين يعلمونهم ذلك رجلان اسم أحدهما هاروت واسم الآخر ماروت؛ فيكون هاروت وماروت على هذا التأويل ترجمة على الناس، وردًا عليهم».