للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شهدنا} [الأعراف: ١٧٢]. قال: فهذا قول الله: {كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ} [البقرة: ٢١٣] بعد (١). (ز)

٦٠٥٩٠ - قال يحيى بن سلّام: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها}، يعني: خلق الناس عليها، وهو مثل قوله: {وإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وأَشْهَدَهُمْ عَلى أنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى} [الأعراف: ١٧٢]. قال: وذلك أنّ أول ما خلق الله -تبارك وتعالى- القلم، فقال: اكتب. قال: ربِّ، وما أكتب؟ قال: ما هو كائن. قال: فجرى القلمُ بما هو كائن إلى يوم القيامة. قال: فأعمال العباد تُعرَض في كل يوم اثنين وخميس، فيجدونه على ما في الكتاب، ثم مسح الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك على ظهر آدم، فأخرج منه كلَّ نسمة هو خالقها، فأخرجهم مثل الذر، فقال: {ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى} [الأعراف: ١٧٢]. ثم أعادهم في صُلْب آدم، ثم يكتب بعد ذلك العبد في بطن أُمِّه شقيًّا أو سعيدًا على ما في الكتاب الأول، فمَن كان في الكتاب الأول شقيًّا عُمِّر حتى يجري عليه القلم، فينقض الميثاق الذي أُخِذ عليه في صلب آدم بالشرك فيكون شقيًّا، ومَن كان في الكتاب الأول سعيدًا عُمِّر حتى يجري عليه القلم فيؤمن فيصير سعيدًا، ومَن مات صغيرًا مِن أولاد المؤمنين قبل أن يجري عليه القلم فهم مع آبائهم في الجنة مِن ملوك أهل الجنة؛ لأن الله -تبارك وتعالى- يقول: {والَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} [الطور: ٢١]، ومَن كان مِن أولاد المشركين، فمات قبل أن يجري عليه القلم، فليس يكونوا مع آبائهم في النار؛ لأنهم ماتوا على الميثاق الذي أُخذ عليهم في صلب آدم، ولم ينقضوا الميثاق، فهم خدم لأهل الجنة (٢) [٥١٠٤]. (ز)


[٥١٠٤] ذهب ابنُ عطية (٧/ ٢٣، ٢٤) في معنى «الفطرة» إلى أن «الذي يعتمد عليه في تفسير هذه اللفظة أنها: الخِلْقة والهيئة التي في نفس الطفل التي هي مُعدَّة مُهَيَّأة لأن يُمَيِّز بها مصنوعات الله تعالى، ويَسْتَدل بها على ربه جَلَّ وعلا، ويعرف شرائعه، ويؤمن به». ووجَّه معنى الآية عليه بقوله: «فكأنه تعالى قال: أقم وجْهك لِلدِّينِ الذي هو الحنيف، وهو فِطْرَة اللهِ الذي على الإعداد له فطر البشر». ثم علَّق بقوله: «لكن تعرضهم العوارض، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه ... » الحديث، وذِكْرُ الأبوين إنما هو مثال للعوارض التي هي كثيرة».
وذكر ابنُ عطية اختلافًا في «الفطرة»، فقال: «واختلف الناس في» الفطرة «ها هنا، فذكر مكيٌّ وغيرُه في ذلك جميعَ ما يمكن أن تصرف هذه اللفظة عليه». وعلَّق بقوله: «وفي بعض ذلك قلق».

<<  <  ج: ص:  >  >>