وعلَّق ابنُ عطية (٧/ ٧٦) على القول الأول والثاني بقوله: «وكانت الجاهلية ينامون في أول الغروب، ومن أي وقت شاء الإنسان، فجاء انتظار وقت العشاء الآخرة غريبًا شاقًّا». وبيَّن ابنُ جرير (١٨/ ٦١٣ بتصرف) أن «الله وصف هؤلاء القوم بأن جنوبهم تَنبُو عن مضاجعهم، شُغُلًا منهم بدعاء ربهم، وعبادته خوفًا وطمعًا، وذلك نُبُوُّ جنوبهم عن المضاجع ليلًا؛ لأنّ المعروف من وصْفِ الواصف رجلًا بأن جَنبَه نَبا عن مضجعه، إنما هو وصفٌ منه له بأنّه جفا عن النوم في وقت منام الناس المعروف، وذلك الليل دون النهار، وكذلك تصف العرب الرجل إذا وصَفَتْه بذلك ... فإذا كان ذلك كذلك، وكان الله -تعالى ذِكْره- لم يَخْصُصْ في وصْفِه هؤلاء القوم بالذي وصفهم به من جفاء جنوبهم عن مضاجعهم من أحوال الليل وأوقاته حالًا ووقتًا دون حالٍ ووقتٍ؛ كان واجبًا أن يكون ذلك على كلِّ آناء الليل وأوقاته، وإذا كان كذلك كانت جميع الأقوال داخلة في ظاهر قوله: {تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضاجِعِ}؛ لأن جَنبَه قد جفا عن مضجعه في الحال التي قام فيها للصلاة؛ قائمًا صلّى، أو ذَكَر الله، أو قاعدًا بعد أن لا يكون مضطجعًا، وهو على القيام أو القعود قادر». غير أنه رجَّح القول الرابع مستندًا إلى دلالة الأغلب استعمالًا لغة والسنة، وهو قول الحسن، ومجاهد، وابن زيد، والأوزاعي، وعلَّل ذلك بقوله: «لأن ذلك أظهر معانيه، والأغلب على ظاهر الكلام، وبه جاء الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -». وذكر حديث معاذ بن جبل?، ومجاهد من طريق أبي يحيى. ووافقه ابنُ عطية (٧/ ٧٦ - ٧٧) مستندًا إلى ذلك مع دلالة العقل، فقال: «وعلى هذا التأويل أكثر الناس، وهو الذي فيه المدح، وفيه حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر فيه قيام الليل ثم يستشهد بالآية ... ورجَّح الزجاج هذا القول بأنهم جوزوا بإخفاء، فدل ذلك على أن العمل إخفاءٌ أيضًا، وهو قيام الليل».