وانتقدا القولَ بعدم الجواز استنادًا إلى القرآن، وما صحَّ من السنة، والسّياق، والدلالات العقلية، فقال ابن جرير (٢/ ٣٩٧ - ٣٩٨ بتصرف): «قد أنكر قومٌ قراءةَ من قرأ: (أوْ تُنْسَها) إذا عني به النسيان، وقالوا: غير جائز أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسي من القرآن شيئًا مما لم ينسخ، إلا أن يكون نسي منه شيئًا ثم ذكره. قالوا: وبعد، فإنه لو نسي منه شيئًا لم يكن الذين قرؤوه وحفظوه من أصحابه بجائز على جميعهم أن ينسوه. قالوا: وفي قول الله -جلَّ ثناؤه-: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك} [الإسراء: ٨٦] ما يُنبِئُ عن أنّ الله -تعالى ذِكْرُه- لم يُنسِ نبيَّه شيئًا مما آتاه من العلم. قال أبو جعفر: وهذا قول يشهد على بُطُولِه وفسادِه الأخبارُ المتظاهرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وغيرُ مستحيل في فطرة ذي عقل صحيح، ولا بحجة خبر أن ينسي الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بعض ما قد كان أنزله إليه، فإذا كان ذلك غير مستحيل من أحد هذين الوجهين فغير جائز لقائل أن يقول ذلك غير جائز، وأما قوله: {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك} فإنه -جل ثناؤه- لم يُخْبِر أنه لا يذهب بشيء منه، وإنما أخبر أنه لو شاء لذهب بجميعه، فلم يذهب به والحمد لله؛ بل إنما ذهب بما لا حاجة بهم إليه منه، وذلك أن ما نسخ منه فلا حاجة بالعباد إليه، وقد قال الله -تعالى ذِكْرُه-: {سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله}، فأخبر أنه يُنسِي نبيَّه منه ما شاء، فالذي ذهب منه الذي استثناه الله، فأما نحن فإنما اخترنا ما اخترنا من التأويل طلب اتساق الكلام على نظام في المعنى، لا إنكار أن يكون الله -تعالى ذِكْرُه- قد كان أنسى نبيَّه بعض ما نسخ من وحيه إليه وتنزيله». وقال ابن عطية: «والصحيح في هذا أنّ نسيان النبي - صلى الله عليه وسلم - لِما أراد الله تعالى أن ينساه، ولم يُرِد أن يثبت قرآنًا؛ جائزٌ، فأما النسيان الذي هو آفة في البشر فالنبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم منه قبل التبليغ، وبعد التبليغ ما لم يحفظه أحد من أصحابه، وأما بعد أن يُحْفَظ فجائز عليه ما يجوز على البشر؛ لأنه قد بَلَّغ وأَدّى الأمانة، ومنه الحديث حين أسقط آية، فلما فرغ من الصلاة قال: «أفي القوم أُبَيٌّ؟». قال: نعم، يا رسول الله. قال: «فلِمَ لَمْ تذكِّرني؟». قال: حسبت أنها رفعت. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لم ترفع، ولكني نسيتها»».