عهد بيننا وبين محمد ولا عقد. فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه، وكان رجلًا فيه حِدَّة، فقال له سعد بن معاذ: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة. ثم أقبل سعد وسعد ومَن معهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسلَّموا عليه، ثم قالوا: عُضَل والقارة، أي: كغدر عُضَل والقارة بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحاب الرجيع؛ خبيب بن عدي وأصحابه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الله أكبر، أبشروا، يا معشر المسلمين». وعَظُم عند ذلك البلاء، واشتد الخوف، وأتاهم عدوُّهم مِن فوقهم، ومِن أسفل منهم، حتى ظنُّ المسلمون كل ظنٍّ، ونجم النفاق مِن بعض المنافقين، حتى قال مُعَتِّب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف: كان محمد يعِدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدُنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط! وحتى قال أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحارث: يا رسول الله، إنّ بيوتنا لَعورة من العدو -وذلك عن مِلئٍ مِن رجال قومه-، فأذن لنا فلنرجع إلى دارنا، وإنها خارجة من المدينة. فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضعًا وعشرين ليلة قريبًا مِن شهر، ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار (١). (ز)
٦١٧٦٩ - عن محمد بن شهاب الزهري -من طريق محمد ابن إسحاق- قال: لَمّا كان يوم الأحزاب حُصِر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بضع عشرة ليلة، حتى خلص إلى امرئ منهم الكربُ، وحتى قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - -كما قال ابن المسيب-: «اللهم، أنشدك عهدك ووعدك، اللهم، إنّك إن تشاء لا تُعبَد». فبينا هم على ذلك أرسل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى عيينة بن حصن بن بدر:«أرأيت إن جعلت لك ثلث ثمر الأنصار أترجع بمن معك مِن غطفان، وتُخَذِّل بين الأحزاب؟». فأرسل إليه عيينة: إن جعلتَ لي الشطرَ فعلتُ. فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى سعد بن عبادة وسعد بن معاذ، فقال:«إنِّي أرسلت إلى عيينة، فعرضت عليه أن أجعل له ثلث ثمركم ويرجع بمن معه مِن غطفان، ويُخَذِّل بين الأحزاب، فأبى إلا الشطر». فقالا: يا رسول الله، إن كنت أُمِرْتَ بشيء فامض لأمر الله. قال:«لو كنت أُمِرت بشيء ما استأمرتُكما، ولكن هذا رأيٌ أعرضه عليكما». قالا: فإنّا لا نرى أن تعطيهم إلا السيف. قال ابن أبي نجيح: قالا: فواللهِ، يا رسول الله لقد كان يمُرُّ في الجاهلية يجرُّ صَرمه في عام السنة حول المدينة
(١) أخرجه ابن جرير ١٩/ ٣٠ - ٣٤، والبغوي في تفسيره ٦/ ٣٢٨ مطولًا. وتنظر الرواية بتمامها في سيرة ابن هشام: ٣/ ٢١٩ - ٢٢٧.