للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما يُطيق أن يدخلها، أفالآن حين جاء الله بالإسلام نعطيهم ذلك؟! فنعمّا إذًا!. فبينما هم كذلك إذ جاءهم نُعيم بن مسعود الأشجعي، وكان يأمنه الفريقان جميعًا، وكان موادعًا، فقال: إنِّي كنت عند عيينة وأبي سفيان إذ جاءتهم رسلُ بني قريظة: أن اثبتوا، فإنا سنخالف المسلمين إلى بيضتهم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فلعلَّنا أمرناهم بذلك». وكان نُعيمٌ رجلًا لا يكتم الحديث، فقام بكلمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء عمر، فقال: يا رسول الله، إن كان مِن أن يكون لأحد عليك فيه مقال النبي على الرجل، رُدّوه. فرَدّوه، فقال: «انظر الذي ذكرناه لك فلا تذكره لأحد». فكأنّما أغراه به، فانطلق حتى أتى عيينة وأبا سفيان، فقال: هل سمعتم [محمدًا] يقول قولًا إلا كان حقًّا. قالوا: لا. قال: فإني لما ذكرت له شأن بني قريظة قال: فلعلنا أمرناهم بذلك. فقال أبو سفيان: سنُعلمكم ذلك إن كان مكرًا. فأرسل إلى بني قريظة: إنّكم قد أمرتمونا أن نثبت، وأنكم ستخالفون المسلمين إلى بيضتهم، فأعطونا بذلك رهينة. قالوا: إنها قد دخلت ليلةَ السبت، وإنّا لا نقضي في السبت شيئًا. قال أبو سفيان: أنتم في مكرٍ مِن بني قريظة، فارتحِلوا. فأرسل الله عليهم الريح، وقذف في قلوبهم الرعب، فأُطفأت نيرانهم، وقُطعت أرسان (١) خيولهم، وانطلقوا منهزمين من غير قتال، قال: فذلك حين قال الله تعالى: {وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا}. قال: فندب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه في طلبهم، فطلبوهم حتى بلغوا حمراء الأسد، ثم رجعوا، قال: فوضع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عنه لَأْمَتَه، واغتسل، واستجمر، فناداه جبريل: عذيرك مِن محارب؛ ألا أراك قد وضعت اللأمة ولم تضعها الملائكة. فقام النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فزعًا، فقال لأصحابه: «عزمت عليكم لا تصلوا صلاة العصر حتى تأتوا بني قريظة». لم يُرد أن تدعوا الصلاة، فصَلَّوْا، وقالت طائفة: واللهِ، إنّا لَفي عزيمةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وما علينا بأسٌ. فَصَلِّت طائفة إيمانًا واحتسابًا، وتركت طائفة إيمانًا واحتسابًا، فلم يُعنِّف النبيُّ واحدًا من الفريقين، وخرج النبيُّ، فمرَّ بمجالس بينه وبين بني قريظة، فقال: «هل مرَّ بكم من أحد؟». فقالوا: مرَّ علينا دِحية الكلبي، على بغلة شهباء، تحته قطيفة ديباج. فقال النبي: «ليس ذلك بدحية، ولكنه جبريل، أُرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم، ويقذف في قلوبهم الرعب». قال: فحاصرهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: وأمر أصحابه أن يستروه


(١) أرسان: جمع رسن، وهو الحبل. اللسان (رسن).

<<  <  ج: ص:  >  >>