على وجهكِ هلاكي وخراب بيت المقدس. فنزعها، وغرسها في حائط له، ثم دخل المحراب، فقام يصلي مُتَّكئًا على عصاه، فمات ولا تعلم به الشياطين في ذلك، وهم يعملون له يخافون أن يخرج فيعاقبهم، وكانت الشياطين تجتمع حول المحراب، وكان المحراب له كُوًى بين يديه وخلفه، وكان الشيطان الذي يريد أن يَخْلَعَ (١) يقول: ألستُ جليدًا (٢) إن دخلتُ فخرجتُ من الجانب الآخر. فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر، فدخل شيطان من أولئك فمرَّ، ولم يكن شيطان ينظر إلى سليمان في المحراب إلا احترق، فمرَّ ولم يسمع صوت سليمان - عليه السلام -، ثم رجع فلم يسمع، ثم رجع فوقع في البيت فلم يحترق، ونظر إلى سليمان قد سقط، فخرج فأخبر الناس أن سليمان قد مات، ففتحوا عنه، فأخرجوه، ووجدوا منسأته -وهي العصا بلسان الحبشة- قد أكلتها الأرَضَة، ولم يعلموا منذ كم مات، فوضعوا الأرَضَة على العصا، فأكلت منها يوما وليلة، ثم حسبوا على ذلك النحو، فوجدوه قد مات منذ سنة، وهي في قراءة ابن مسعود:(فَمَكَثُوا يَدْأَبُونَ لَهُ مِن بَعْدِ مَوْتِهِ حَوْلًا كامِلًا). فأيقن الناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذِبونهم، ولو أنهم علموا الغيب لعلموا بموت سليمان، ولم يلبثوا في العذاب سنةً يعملون له، وذلك قول الله:{ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إلّا دابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ أنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي العَذابِ المُهِينِ} يقول: تبيّن أمرهم للناس أنهم كانوا يكذِبونهم، ثم إن الشياطين قالوا للأرضة: لو كنتِ تأكلين الطعام أتيناكِ بأطيب الطعام، ولو كنتِ تشربين الشراب سقيناكِ أطيب الشراب، ولكنا سننقل إليك الماء والطين. فالذي يكون في جوف الخشب فهو ما تأتيها به الشياطينُ شكرًا لها (٣)[٥٣٠٥]. (١٢/ ١٧٩)
٦٣٢٥٧ - عن عبد الله بن شداد -من طريق خالد بن حصين- قال: قيل لسليمان -صلى الله عليه-: إنّ آية موتك أن ينبت في بيت المقدس شجرةٌ يُقال لها: الخروبة، فإذا نبتَ فهو آيةُ موتِك، فبينا هو كذلك إذ خرجت شجرة، فقال لها: ما اسمكِ؟
[٥٣٠٥] علّق ابنُ كثير (١١٦/ ٢٦٩) على هذا الأثر فقال: «وهذا الأثر -والله أعلم-إنّما هو مما تلقي من علماء أهل الكتاب، وهي وقف، لا يصدق منها إلا ما وافق الحق، ولا يكذب منها إلا ما خالف الحق، والباقي لا يصدق ولا يكذب».