للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قالت: أنا الخروبة. فدخل المحراب، فقام على عصاه، فقُبض وهو على عصاه، فخرجت دابة من الأرض، فأكلت عصاه، فخَرَّ، فـ {تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} (١) [٥٣٠٦]. (ز)

٦٣٢٥٨ - عن عكرمة مولى ابن عباس -من طريق أيوب- قال: لَمّا ردّ الله الخاتم إليه لم يُصَلِّ صلاة الصبح يومًا إلا نظر وراءَه، فإذا هو بشجرة خضراء تهتز، فيقول: يا شجرة، أما يأكلك جِنٌّ ولا إنس ولا طير ولا هوام ولا بهائم؟ فتقول: إنِّي لم أُجعل رزقًا لشيء، ولكن دواء مِن كذا، ودواء من كذا. فقام الجن والإنس يقطعونها، ويجعلونها في الدواء، فصلى الصبح ذات يوم والتفت، فإذا بشجرة وراءه، قال: مَن أنتِ، يا شجرة؟ قالت: أنا الخرنوبة. قال: واللهِ، ما الخرنوبة إلا خراب بيت المقدس، واللهِ ما يُخرّب ما كنت حيًّا، ولكني أموت. فدعا بحنوط، فتحنّط وتكفَّن، ثم جلس على كرسيه، ثم جمع كفيه على طرف عصاه، ثم جعلها تحت ذقنه، ومات، فمكث الجن يعملون سنة يحسبون أنه حي، وكانت لا ترفع أبصارها إليه، وبعث الله الأرَضَة، فأكلت طرف العصا، فخَرَّ مُنكَبًّا على وجهه، فعلمتُ الجنُّ أن قد مات، فذلك قوله: {تَبَيَّنَتِ الجِنُّ} ولقد كانت الجن تعلم أنها لا تعلم الغيب، ولكن في القراءة الأولى: (تَبَيَّنَتِ الإنسُ أن لَّوْ كانَ الجِنُّ يَعْلَمُونَ الغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي العَذابِ المُهِينِ) (٢) [٥٣٠٧]. (١٢/ ١٨٤)


[٥٣٠٦] نقل ابنُ عطية (٧/ ١٧١) إضافة إلى ما ورد في آثار السلف في قصة موت سليمان - عليه السلام - قولًا آخر، فقال: «وقال بعض الناس: إن سليمان - عليه السلام - لم يمت إلا في سفر مضطجعًا، ولكنه كان في بيت مبني عليه، وأكلت الأرَضَة عتبة الباب حتى خرَّ البيت؛ فعُلم موته». وانتقده بقوله: «وهذا ضعيف». ثمَّ قال ابن عطية عقب هذا: «وأكثرَ المفسرون في قصص هذه الآية بما لا صحة له، ولا تقتضيه ألفاظ القرآن، وفي معانيه بُعْدٌ، فاختصرته لذلك».
[٥٣٠٧] قال ابنُ عطية (٧/ ١٧١ - ١٧٢): «وقرأ الجمهور {تَبَيَّنَتِ الجِنُّ} بإسناد الفعل إليها، أي: بان أمرُها، كأنه قال: افتضحت الجنُّ، أي: للإنس، هذا تأويل. ويحتمل أن يكون قوله: {تَبَيَّنَتِ الجِنُّ} بمعنى: علمت الجن وتحققت، ويريد بالجِنّ: جمهورهم والفَعَلة منهم والخَدَمة، ويريد بالضمير في {كانُوا}: رؤساءهم وكبارهم؛ لأنهم هم الذين يدعون علم الغيب لأتباعهم من الجن والإنس ويوهمونهم ذلك. قاله قتادة، فتبين الأتباع أن الرؤوس لَوْ كانُوا عالمين الغيب ما لَبِثُوا، و {أنْ} على التأويل الأول بدل من {الجِنُّ}، وعلى التأويل الثاني مفعولة محضة، وقرأ يعقوب: (تُبُيِّنَتُ الجِنُّ) على بناء الفعل للمفعول، أي: تبينها الناس، و {أنْ} على هذه القراءة بدل، ويجوز أن تكون في موضع نصب بإسقاط حرف الجر، أي: بأن، على هذه القراءة، وعلى التأويل الأول من القراءة الأولى».

<<  <  ج: ص:  >  >>