اشتروا مني أرضي. فلم يزل حتى باع دوره وأراضيه وعقاره، فلما صار الثمن في يده وأحرزه قال: أي قومِ، إنّ العذاب قد أظلَّكم، وزوال أمركم قد دنا، فمَن أراد منكم دارًا جديدًا وجملًا شديدًا وسفرًا بعيدًا فليلحق بعُمان، ومَن أراد منكم الخَمر والخمير والعصير فليلحق ببُصرى، ومن أراد منكم الراسِخاتِ في الوَحْل، المُطْعِماتِ في المحْل (١)، المُقِيماتِ في الضَّحْل (٢) فليلحق بيثرب ذات نخل، فأطاعه قوم؛ فخرج أهل عُمان إلى عُمان، وخرجت غسان إلى بصرى، وخرجت الأوس والخزرج وبنو كعب بن عمرو إلى يثرب، فلما كانوا ببطن مَرٍّ (٣) قال بنو كعب: هذا مكان صالح لا نبغي به بَدَلًا. فأقاموا، فلذلك سموا: خزاعة؛ لأنهم انخزعوا عن أصحابهم، وأقبلت الأوس والخزرج حتى نزلوا يثرب (٤)[٥٣١٣]. (١٢/ ١٩١)
٦٣٢٩٤ - عن وهب بن مُنَبِّه -من طريق محمد بن إسحاق- قال:{فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ} كان لهم -يعني: لسبأ- سَدٌّ قد كانوا بنوه بنيانًا أيِّدًا (٥)، وهو الذي كان يَرُدّ عنهم السيل إذا جاء؛ أن يغشى أموالهم، وكان فيما يزعمون في علمهم من كهانتهم أنه إنما يخرِّب سدّهم ذلك فأرة، فلم يتركوا فُرجة بين حجرين إلا ربطوا عندها هِرّة، فلما جاء زمانه وما أراد الله بهم من التفريق؛ أقبلتْ -فيما يذكرون- فأرةٌ حمراءُ إلى هِرّة مِن تلك الهِرر، فساورتها حتى استأخرتْ عنها الهِرّة، فدخلتْ في الفرجة التي كانت عندها، فتغلغلت في السد، فحفرت فيه، حتى وهَّنته للسيل وهم لا يدرون، فلمّا جاء السيل وجد عِلَلًا (٦)، فدخل فيه حتى قلع السد، وفاض على الأموال، فاحتملها، فلم يبق منها إلا ما ذُكِر عن الله -تبارك وتعالى- (٧). (١٢/ ١٩٣)
[٥٣١٣] علّق ابنُ كثير (١١/ ٢٧٨) على هذا الأثر، فقال: «هذا أثر غريب عجيب، وهذا الكاهن هو عمرو بن عامر أحد رؤساء اليمن، وكبراء سبأ وكهانهم».