ووجَّه ابنُ جرير (١٩/ ٣٤٤) القول الأول بقوله: «فالهاء التي في قوله: {ولا يُنْقَصُ مِن عُمُرِهِ} على هذا التأويل -وإن كانت في الظاهر أنها كناية عن اسم المُعمَّر الأول- فهي كنايةُ اسمٍ آخرَ غيره، وإنما حسُن ذلك لأن صاحبها لو أُظهِرَ أُظهِرَ بلفظ الأول، وذلك كقولهم: عندي ثوبٌ ونصفُه، والمعنى: ونصفُ الآخر». ووجَّهه ابنُ عطية (٧/ ٢٠٧) بقوله: «أي: أن القول تضمن شخصين، يُعَمَّر أحدهما مائة سنة أو نحوها، ويُنقَص من الآخر بأن يكون عامًا واحدًا أو نحوه ... لكنه أعاد الضمير إيجازًا واختصارًا، والبيان التام أن يقول: ولا يُنقَص من عُمر مُعَمَّر. لأن لفظ» مُعَمَّر «هي بمنزلة: ذي عُمْر، كأنه قال: ولا يُعَمَّر من ذي عُمْر ولا يُنقَص من عُمْر ذي عُمْر». ووجَّه ابنُ جرير القول الثاني بقوله: «والهاء على هذا التأويل للمُعمَّر الأول؛ لأن معنى الكلام: ما يُطوَّل عمرُ أحدٍ، ولا يَذهَب من عمره شيءٌ فيُنقَصَ، إلا وهو في كتابٍ عند الله مكتوب، قد أحصاه وعَلِمَه». ووجَّهه ابنُ عطية (٧/ ٢٠٨) بقوله: «أي: ما يُعَمَّر إنسانٌ ولا يُنقَص من عمره، بأن يُحصى ما مضى منه، إذا مَرَّ حولٌ كتب ذلك، ثم حول. فهذا هو النقص». ورجَّح ابنُ جرير (١٩/ ٣٤٥) القول الأول مستندًا إلى دلالة الظاهر، وهو قول ابن عباس من طريق العوفي، والضحاك، وابن زيد من طريق ابن وهب، وما في معناه، وعلَّل ذلك بأنه: «أظهر معنييه، وأشبههما بظاهر التنزيل». وذكر ابنُ عطية أنه روي عن كعب الأحبار أن معنى: {ولا يُنقَص من عمره} «أي: لا يخترم بسبب قدرة الله تعالى، ولو شاء لأخر ذلك السبب، وروي أنه قال حين طُعِن عمر?: لو دعا الله لزاد في أجله. فأنكر عليه المسلمون ذلك، وقالوا: إن الله تعالى يقول: {فَإذا جاءَ أجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً} [الأعراف: ٣٤]. فاحتج بهذه الآية». ثم انتقده مستندًا إلى الدلالة العقلية قائلًا: «وهو قولٌ ضعيف مردود، يقتضي القول بالأجَلَيْن، وبنحوه تمسَّكت المعتزلة». ورجَّح ابنُ تيمية (٥/ ٣٠٣) مستندًا إلى النظائر: «أن الله يكتب للعبد أجلًا في صحف الملائكة، فإذا وصل رَحِمَه زاد في ذلك المكتوب، وإن عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب. ونظير هذا ما في الترمذي وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أن آدم لما طلب من الله أن يريه صورة الأنبياء من ذريته فأراه إياهم، فرأى فيهم رجلًا له بصيص، فقال: من هذا، يا رب؟ فقال: ابنك داود. قال: فكم عمره؟ قال: أربعون سنة. قال: وكم عمري؟ قال: ألف سنة. قال: فقد وهَبْتُ له من عمري ستين سنة. فكتب عليه كتاب، وشهدت عليه الملائكة، فلما حضرته الوفاة قال: قد بقي من عمري ستون سنة. قالوا: وهبتها لابنك داود. فأنكر ذلك، فأخرجوا الكتاب. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فنسي آدم فنسيت ذريته، وجحد آدم فجحدت ذريته». وروي أنه كمل لآدم عمره ولداود عمره، فهذا داود كان عمره المكتوب أربعين سنة ثم جعله ستين، وهذا معنى ما روي عن عمر أنه قال: اللهم، إن كنت كتبتني شقيًّا فامحني واكتبني سعيدًا؛ فإنك تمحو ما تشاء وتثبت. والله سبحانه عالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون؛ فهو يعلم ما كتبه له وما يزيده إيّاه بعد ذلك، والملائكة لا علم لهم إلا ما علمهم الله، والله يعلم الأشياء قبل كونها وبعد كونها؛ فلهذا قال العلماء: إنّ المحو والإثبات في صحف الملائكة، وأما علم الله سبحانه فلا يختلف، ولا يبدو له ما لم يكن عالمًا به، فلا محو فيه ولا إثبات».