للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عهدي، وخافوني بالغيب، وكانوا مِنِّي على كلّ حالٍ مشفقين. قالوا: أما وعزَّتك وعظمتك وجلالك وعُلُوِّ مكانك، ما قدرناك حقَّ قدرك، ولا أدَّينا إليك كلَّ حقِّك، فأْذَنْ لنا بالسجود لك. قال لهم ربُّهم: إنِّي قد وضعت عنكم مؤنة العبادة، وأرحت لكم أبدانكم، طالما نصبتم لي الأبدان، وأعنيتم (١) لي الوجوه، فالآن أفضيتم إلى روحي ورحمتي وكرامتي، فسَلُوني ما شئتم، وتمنَّوا عليَّ أمانيكم، فإني لن أجزيكم اليوم بقدر أعمالكم، ولكن بقدر رحمتي وكرامتي، وطَوْلِي وجلالي، وعلوِّ مكاني، وعظمة شأني. فما يزالون في الأمانيِّ والعطايا والمواهب، حتى إنّ المُقَصِّر منهم في أمنيته ليتمنّى مثل جميع الدنيا منذ يوم خلقها الله إلى يوم يُفنيها، قال لهم ربُّهم: لقد قصرتم في أمانيكم، ورضيتم بدون ما يحق لكم، فقد أوجبت لكم ما سألتم وتمنيتم، وألحقت بكم وزدتكم ما قصرت عنه أمانيُّكم، فانظروا إلى مواهب ربِّكم الذي وهب لكم. فإذا بقِبابٍ في الرفيق الأعلى، وغرف مبنية مِن الدُّرِّ والمرجان، أبوابُها من ذهب، وسُرُرُها من ياقوت، وفرشها مِن سندس وإستبرق، ومنابرها من نور، يفُورُ من أبوابها وأعراصها (٢) نورٌ مثلُ شُعاع الشمس، عنده مثلُ الكوكب الدُّريِّ في النهار المضيء، وإذا بقصور شامخة في أعلى علِّيِّين من الياقوت يزهر نورها، فلولا أنه مسخَّرٌ إذنْ لالتمع الأبصار، فما كان من تلك القصور من الياقوت الأبيض فهو مفروش بالحرير الأبيض، وما كان منها من الياقوت الأحمر فهو مفروشٌ بالعبقريِّ الأحمر (٣)، وما كان منها من الياقوت الأخضر فهو مفروشٌ بالسُّندس الأخضر، وما كان منها مِن الياقوت الأصفر فهو مفروشٌ بالأُرجوانِ الأصفر، مُبوّبة بالزُّمرُّد الأخضر والذّهب الأحمر والفضّة البيضاء، قواعدها وأركانها مِن الجوهر، وشُرُفُها قِبابٌ من لؤلؤ، وبُرُوجُها غُرَفٌ مِن المرجان، فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربُّهم قُرّبت لهم براذين مِن ياقوت أبيض، منفوخ فيها الروحُ، يجنُبُها الولدان المخلّدون، بيد كلّ وليدٍ منهم حَكَمَةُ (٤) بِرذَونٍ من تلك البراذينِ، ولجُمُها وأعِنّتها مِن فضةٍ بيضاءَ منظومة بالدُّر والياقوت، سُرُوجُها سررٌ موضونةٌ مفروشةٌ بالسندُس والإستبرقِ، فانطلقت بهم تلك


(١) عنت الوجوه: نصبت له وعملت له. اللسان (عنو).
(٢) الأعراص والعِراص والعَرَصات جمعٌ، واحدُه العَرْصة، وهي: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء. التاج (عرص).
(٣) عبقر: قرية باليمن يوشى فيها الثياب والبسط، ثيابها في غاية الحسن والجودة، فصارت مثلًا لكل منسوب إلى شيء رفيع. التاج (عبقر).
(٤) الحكمة: حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه، تمنعه من مخالفة راكبه. اللسان (حكم).

<<  <  ج: ص:  >  >>