للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَأْتُونَنا عَنِ اليَمِينِ} قال: قال بنو آدم للشياطين الذين كفروا: {إنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ اليَمِينِ}، قال: تَحُولُون بيننا وبين الخير، ورددتمونا عن الإسلام والإيمان، والعمل بالخير الذي أمَر الله به (١). (ز)

٦٥٢٨٢ - قال يحيى بن سلّام: {قالُوا} قالت الإنس للشياطين: {إنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ اليَمِينِ} (٢) [٥٤٧٤]. (ز)


[٥٤٧٤] قال ابنُ جرير (١٩/ ٥٢٤ - ٥٢٥) مبيّنًا معنى الآية استنادًا إلى أقوال السلف، واللغة: "قالت الإنس للجن: إنكم -أيها الجن- كنتم تأتوننا مِن قِبَلِ الدِّين والحق، فتخدعوننا بأقوى الوجوه. واليمين: القوة والقدرة في كلام العرب، ومنه قول الشاعر:
إذا ما رايةٌ رُفِعَت لمجدٍ تَلَقَّاها عَرابةُ باليمينِ
يعني: بالقوة والقدرة".
وقال ابنُ عطية (٧/ ٢٧٨ - ٢٨٠ بتصرف): "اضطرب المتأولون في معنى قولهم: {عن اليمين}، وعَبَّر ابن زيد وغيره عنه بـ: طريق الجنة والخير. ونحو هذا من العبارات التي هي تفسير بالمعنى لا تختص باللفظة، وبعضهم نحا في تفسير الآية إلى ما يختصها، والذي يتحصل من ذلك معانٍ، منها: أن يريد بـ {اليمين}: القوة والشدة، فكأنهم قالوا: إنكم كنتم تغووننا بقوة منكم، وتحملوننا على طريق الضلالة بمتابعة منكم في شدة. فعَبَّر عن هذا المعنى بـ {اليمين} كما قالت العرب: بيدين ما أورد. وكما قالوا: اليد -في غير موضع- عن القوة، وقد ذهب بعض الناس ببيت الشماخ هذا المذهب، وهو قوله:
إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
فقالوا: معناه: بقوة وعزيمة، وإلا فكل أحد يتلقاها بيمينه، لو كانت الجارحة، وأيضًا فلما استعار الراية للمجد فكذلك لم يرد باليمين الجارحة. ومن المعاني التي تحتملها الآية أن يريدوا: إنكم كنتم تأتوننا من الجهة التي يحسِّنها تمويهكم وإغواؤكم، ويظهر فيها أنها جهة الرشد والصواب، فتصير عندنا كاليمين التي نتيمَّن بالسانح الذي يجيؤنا من قِبَلِها ... فكأنهم شبهوا أقوال هؤلاء المغوين بالسوانح التي هي عندهم محمودة، كأن التمويه في هذه الغوايات قد أظهر فيها ما يوشك أن يُحمد به. ومن المعاني التي تحتملها الآية أن يريدوا: إنكم كنتم تأتوننا -أي: تقطعون بنا- عن أخبار الخير واليمن. فعَبَّر عنها بـ {اليمين}؛ إذ اليمين هي الجهة التي يتيمن بكل ما كان منها وفيها. ومن المعاني التي تحتملها الآية أن يريدوا: إنكم كنتم تجيئوننا من جهة الشهوات وعدم النظر، والجهة الثقيلة من الإنسان وهي جهة اليمين منه؛ لأن كبده فيها، وجهة شماله فيها قلبه، وهي أخف، وهذا معنى قول الشاعر:
تركنا لهم شق الشمال
أي: نزلنا لهم عن موضع الهروب؛ لأن المنهزم إنما يرجع على شقه الأيسر؛ إذ هو أخف شقيه، وإذ قلب الإنسان في شماله، وثم نظره، فكأن هؤلاء كانوا يأتون من جهة الشهوات والثقل ... وأكثر ما يتمكن هذا التأويل مع إغواء الشياطين، وهو قَلِقٌ مع إغواء بني آدم. وقيل: المعنى: تحلفون لنا، وتأتوننا إتيان من إذا حلف صدقناه ... فاليمين على هذا: القَسَم «. ثم بيَّن أن بعض الناس ذهبوا في ذكر إبليس جهات بني آدم في قوله: {مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ ومِن خَلْفِهِمْ وعَنْ أيْمانِهِمْ وعَنْ شَمائِلِهِمْ} [الأعراف: ١٧] إلى ما ذكره من جهة الشهوات، فقالوا: ما بين يديه هي مغالطته فيما يراه، وما خلفه هو ما يسارق فيه الخفاء، وعن يمينه هو جانب شهواته، وعن شماله هو موضع نظره بقلبه وتحرزه، فقد يغلبه الشيطان فيه، ثم علَّق بقوله:» وهذا فيمن جعل هذا في جهات ابن آدم الخاصة بيديه، ومِن الناس مَن جعلها في جهات أموره وشؤونه؛ فيتسع التأويل على هذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>