ووجَّه ابنُ القيم (٢/ ٣٩٠) القول الأول بقوله: «والمعنى على هذا القول: أنه يتوفى نفس الميت فيمسكها ولا يرسلها إلى جسدها قبل يوم القيامة، ويتوفى نفس النائم ثم يرسلها إلى جسدها إلى بقية أجلها فيتوفّاها الوفاة الأخرى». وعلَّق ابن تيمية (٥/ ٤٠١) على القول الثاني بقوله: «وعلى هذا يدل الكتاب والسنة؛ فإن الله قال: {اللَّهُ يَتَوَفي الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِها والَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْها المَوْتَ ويُرْسِلُ الأُخْرى إلى أجَلٍ مُسَمًّى}، فذكر إمساك التي قضى عليها الموت من هذه الأنفس التي توفّاها بالنوم، وأما التي توفّاها حين موتها فتلك لم يصفها بإمساك ولا إرسال». ثم رجَّح مستندًا إلى ظاهر لفظ الآية أنّ الآية تتناول النوعين، فقال: «والتحقيق أن الآية تتناول النوعين؛ فإن الله ذكر توفيتين: توفّي الموت، وتوفّي النوم، وذكر إمساك المُتوفاة وإرسال الأخرى. ومعلوم أنه يُمسك كل ميتة، سواء ماتت في النوم أو قبل ذلك، ويُرسل من لم تمت. وقوله: {اللَّهُ يَتَوَفي الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِها} يتناول ما ماتت في اليقظة وما ماتت في النوم، فلما ذكر التوفيتين ذكر أنه يُمسكها في أحد التوفيتين ويُرسلها في الأخرى، وهذا ظاهر اللفظ ومدلوله بلا تكلّف». وبيَّن ابنُ القيم (٢/ ٣٩٠ - ٣٩١) أن الذي يترجَّح من القولين هو القول الأول مستندًا إلى الدلالة العقلية، فقال: «والذي يترجَّح هو القول الأول؛ لأنه سبحانه أخبر بوفاتين، وفاة كبرى وهى وفاة الموت، ووفاة صغرى وهى وفاة النوم، وقسَم الأرواح قسمين: قسمًا قضى عليها بالموت فأمسكها عنده وهي التي توفّاها وفاة الموت، وقسمًا لها بقية أجل فردّها إلى جسدها إلى استكمال أجلها، وجعل سبحانه الإمساك والإرسال حكمين للوفاتين المذكورتين أولًا، فهذه مُمسَكَة وهذه مُرسَلَة، وأخبر أن التي لم تمت هي التي توفّاها في منامها، فلو كان قد قسَم وفاة النوم إلى قسمين: وفاة موت ووفاة نوم، لم يقل: {والَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها} فإنها من حين قُبضت ماتت، وهو سبحانه قد أخبر أنها لم تمت فكيف يقول بعد ذلك: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْها المَوْتَ}. ولمن نصر هذا القول أن يقول قوله تعالى: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْها المَوْتَ} بعد أن توفاها وفاة النوم، فهو سبحانه توفاها أولًا وفاة نوم، ثم قضى عليها الموت بعد ذلك». كما قوّى بعد ذلك تناول الآية للنوعين كما اختار ابنُ تيمية.