وذَهَبَ ابنُ جرير (٢/ ٥٥٦) إلى عدم ترجيح قول على آخر؛ لعدم ورود دليل يقطع بأحد الأقوال، فقال: «والصواب من القول في ذلك عندنا أن يُقال: إنّ الله -جل ثناؤه- أخبر عن إبراهيم خليله أنه وابنه إسماعيل رفعا القواعد من البيت الحرام، وجائز أن يكون ذلك قواعد بيت كان أهبطه مع آدم، فجعله مكان البيت الحرام الذي بمكة، وجائز أن يكون ذلك كان القُبَّة التي ذكرها عطاء، مما أنشأه الله من زَبَد الماء، وجائز أن يكون كان ياقوتة أو درة أُهْبِطا من السماء، وجائز أن يكون كان آدم بناه ثم انْهَدَم، حتى رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل، ولا عِلْمَ عندنا بأي ذلك كان من أي؛ لأن حقيقة ذلك لا تُدْرَك إلّا بخبر عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالنقل المستفيض، ولا خبر بذلك تقوم به الحجة فيجب التسليم لها، ولا هو - إذ لم يكن به خبر، على ما وصفنا- مما يُدْرَك علمه بالاستدلال والمقاييس، فيُمَثَّل بغيره، ويستنبط علمه من جهة الاجتهاد، فلا قول في ذلك هو أولى بالصواب مما قلنا». وإلى ذلك ذَهَبَ أيضًا ابنُ عطية (١/ ٣٤٩)، فقال: «والذي يَصِحُّ من هذا كلِّه أنّ الله أمر إبراهيم برفع قواعد البيت، وجائز قِدَمُه، وجائز أنّ كونَ ذلك ابتداء، ولا يُرَجَّح شيءٌ من ذلك إلا بِسَنَد يقطع العُذْر».