للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشامي الذي عند الحجر من وجهه، وجعل عرض ما بين الركن الشامي إلى الركن الغربي الذي فيه الحجر اثنين وعشرين ذراعًا، وجعل طول ظهرها من الركن الغربي إلى الركن اليماني أحدًا وثلاثين ذراعًا، وجعل عرض شِقها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرين ذراعًا. قال: فلذلك سُمِّيَت: الكعبة؛ لأنها على خِلْقَة الكَعْب. قال: وكذلك بنيان أساس آدم، وجعل بابها بالأرض غير مبَوَّب، حتى كان تُبَّع بن أسعد الحِمْيَرِيّ، وهو الذي جعل لها غُلْقًا فارسيًّا، وكساها كِسْوةً تامة، ونحر عندها، وجعل إبراهيم - عليه السلام - الحِجْرَ إلى جنب البيت عريشًا من أراك، تقتحمه العَنْز، فكان زَرْبًا لغنم إسماعيل، وحفر إبراهيم جُبًّا في بطن البيت على يمين من دخله، يكون خزانة للبيت، يُلقى فيه ما يُهدى للكعبة، وكان الله استودع الركن أبا قبيس حين أغرق الله الأرض زمن نوح، وقال: إذا رأيتَ خليلي يبني بيتي فأخرجه له. فجاء به جبريل فوضعه في مكانه، وبنى عليه إبراهيم وهو حينئذ يتلألأ نورًا من شِدَّة بياضه، وكان نورُه يُضِيء إلى منتهى أنصاب الحرم من كل ناحية، قال: وإنما شِدَّة سواده لأنّه أصابه الحريق مرة بعد مرة في الجاهلية والإسلام (١). (١/ ٧٠٦)

٣٩١١ - عن عبد الملك ابن جريج -من طريق سعيد بن سالم- قال: كان ابنُ الزبير بنى الكعبة من الذَّرْعِ على ما بناها إبراهيم - عليه السلام -، قال: وهي مُكَعَّبَة على خِلْقَة الكَعْبِ؛ ولذلك سُمِّيَت: الكعبة. قال: ولم يكن إبراهيم سَقَفَ الكعبةَ، ولا بناها بمَدَرٍ (٢)؛ وإنّما رَضَمَها رَضْمًا (٣) [٥١١]. (١/ ٧٠٨)


[٥١١] اختلف أهل التأويل في القواعد التي رفعها إبراهيم وإسماعيل من البيت، أهما أحْدَثا ذلك، أم هي قواعدُ كانت للبيت قَبْلَهما؟
وذَهَبَ ابنُ جرير (٢/ ٥٥٦) إلى عدم ترجيح قول على آخر؛ لعدم ورود دليل يقطع بأحد الأقوال، فقال: «والصواب من القول في ذلك عندنا أن يُقال: إنّ الله -جل ثناؤه- أخبر عن إبراهيم خليله أنه وابنه إسماعيل رفعا القواعد من البيت الحرام، وجائز أن يكون ذلك قواعد بيت كان أهبطه مع آدم، فجعله مكان البيت الحرام الذي بمكة، وجائز أن يكون ذلك كان القُبَّة التي ذكرها عطاء، مما أنشأه الله من زَبَد الماء، وجائز أن يكون كان ياقوتة أو درة أُهْبِطا من السماء، وجائز أن يكون كان آدم بناه ثم انْهَدَم، حتى رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل، ولا عِلْمَ عندنا بأي ذلك كان من أي؛ لأن حقيقة ذلك لا تُدْرَك إلّا بخبر عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالنقل المستفيض، ولا خبر بذلك تقوم به الحجة فيجب التسليم لها، ولا هو - إذ لم يكن به خبر، على ما وصفنا- مما يُدْرَك علمه بالاستدلال والمقاييس، فيُمَثَّل بغيره، ويستنبط علمه من جهة الاجتهاد، فلا قول في ذلك هو أولى بالصواب مما قلنا».
وإلى ذلك ذَهَبَ أيضًا ابنُ عطية (١/ ٣٤٩)، فقال: «والذي يَصِحُّ من هذا كلِّه أنّ الله أمر إبراهيم برفع قواعد البيت، وجائز قِدَمُه، وجائز أنّ كونَ ذلك ابتداء، ولا يُرَجَّح شيءٌ من ذلك إلا بِسَنَد يقطع العُذْر».

<<  <  ج: ص:  >  >>