للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٩٠٠٣ - قال مقاتل بن سليمان: ثم قال: {ذلِكَ الَّذِي} ذُكر مِن الجنة {يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا} يعني: صدَّقوا {وعَمِلُوا الصّالِحاتِ} من الأعمال، {قُلْ لا أسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أجْرًا} يعني: على الإيمان جزاء {إلّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبى} يقول: إلا أن تَصِلوا قرابتي، وتتبعوني، وتكفّوا عنِّي الأذى، ثم نَسَختْها: {قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِن أجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ: ٤٧] (١). (ز)

٦٩٠٠٤ - قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قوله: {قُلْ لا أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجْرًا إلّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبى}، قال: يقول: إلا أن تودّوني في قرابتي، كما توادّون في قرابتكم وتواصلون بها، ليس هذا الذي جئتُ به يقطع ذلك عنِّي، فلستُ أبتغي على الذي جئتُ به أجرًا آخذه على ذلك منكم (٢). (ز)

٦٩٠٠٥ - قال يحيى بن سلام: كقوله: {قُلْ ما أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِن أجْرٍ إلّا مَن شاءَ أنْ يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلًا} [الفرقان: ٥٧] بطاعته (٣) [٥٨٠٨]. (ز)


[٥٨٠٨] اختُلف في قوله: {إلا المودة في القربى} على أقوال: الأول: إلا أن تودُّوني في قرابتي منكم، وتَصِلوا رحمي بيني وبينكم. الثاني: قل لمن تبعك من المؤمنين: لا أسألكم على ما جئتكم به أجرًا إلا أن تودُّوا قرابتي. الثالث: قل لا أسألكم أيها الناس على ما جئتكم به أجرًا إلا أن توَدُّدوا إلى الله، وتتقرَّبوا بالعمل الصالح والطاعة. الرابع: إلا أن تَصِلوا قرابتكم.
وقد رجّح ابنُ جرير (٢٠/ ٥٠٢) -مستندًا إلى اللغة- القول الأول، وانتقد القول الثاني والثالث، فقال: «وإنما قلت: هذا التأويل أولى بتأويل الآية لدخول {في} في قوله: {إلا المودة في القربى}، ولو كان معنى ذلك على ما قاله من قال: إلا أن تودّوا قرابتي، أو تقرّبوا إلى الله. لم يكن لدخول {في} في الكلام في هذا الموضع وجه معروف، ولكان التنزيل: إلا مودّة القُربى. إن عنى به الأمر بمودّة قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو إلا المودّة بالقُربى، أو: ذا القُربى. إن عنى به التودّد والتقرب. وفي دخول {في} في الكلام أوضح الدليل على أن معناه: إلا مودّتي في قرابتي منكم، وأن الألف واللام في المودة أدخلتا بدلًا من الإضافة، كما قيل: {فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: ٤١]».
ورجّح ابنُ تيمية (٥/ ٤٩٥ - ٤٩٧) القول الأول، وانتقد -مستندًا إلى أقوال السلف، واللغة، والنظائر- قول من جعلها في علي وفاطمة وذريتهم مِن وجوه: أحدها: أن ابن عباس سُئِل عن قوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}، فقيل: أن لا تؤذوا محمدًا في قرابته. فقال ابن عباس: عجلت، إنه لم يكن بطن من قريش إلا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم قرابة، فقال: لا أسألكم عليه أجرًا، لكن أسألكم أن تَصِلوا القرابة التي بيني وبينكم. فهذا ابن عباس ترجمان القرآن، وأعلم أهل البيت بعد علي، يقول: ليس معناها مودّة ذوي القُربى، لكن معناها: لا أسألكم -يا معشر العرب ويا معشر قريش- عليه أجرًا، لكن أسألكم أن تَصِلوا القرابة التي بيني وبينكم، فهو سأل الناس الذين أُرسل إليهم أولًا أن يَصِلوا رحمه، فلا يعتدوا عليه حتى يبلغ رسالة ربه. ثانيها: أنه قال: {لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}، لم يقل: إلا المودّة للقُربى، ولا المودّة لذوي القُربى. فلو أراد المودّة لذوي القُربى لقال: المودّة لذوي القُربى، كما قال: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى} [الأنفال: ٤١]، وقال: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى} [الحشر: ٧]. ثالثها: أنّ القُربى معرّفة باللام، فلابد أن يكون معروفًا عند المخاطبين الذين أُمر أن يقول لهم: {قل لا أسألكم عليه أجرًا} وقد ذكرنا أنها لما نزلت لم يكن قد خُلق الحسن ولا الحسين، ولا تزوج علي بفاطمة. فالقُربى التي كان المخاطبون يعرفونها يمتنع أن تكون هذه، بخلاف القُربى التي بينه وبينهم، فإنها معروفة عندهم.
وبنحوه قال ابنُ كثير (١٢/ ٢٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>