ورجَّح ابنُ جرير (٢٠/ ٦٥٧ - ٦٥٨) القول الأخير الذي قاله السُّدّيّ، وقتادة. وانتقد القولَ الثاني الذي قاله ابن زيد، وقتادة من طريق سعيد -مستندًا إلى الدلالة العقلية والنظائر-، فقال: «وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قولُ من قال: معنى {إن} الشرط الذي يقتضي الجزاء. على ما ذكرناه عن السُّدّي، وذلك أن {إن} لا تعدو في هذا الموضع أحد معنيين: إما أن يكون الحرف الذي هو بمعنى الشرط الذي يطلب الجزاء، أو تكون بمعنى الجحد، وهي إذا وجّهت إلى الجحد لم يكن للكلام كبير معنى؛ لأنه يصير بمعنى: قل: ما كان للرحمن ولد. وإذا صار بذلك المعنى أوهم أهل الجهل من أهل الشرك بالله أنه إنما نفى بذلك عن الله - عز وجل - أن يكون كان له ولد قبل بعض الأوقات، ثم حدث له الولد بعد أن لم يكن، مع أنه لو كان ذلك معناه لقدَر الذين أمر الله نبيه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لهم: ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين. أن يقولوا له: صدقت، وهو كما قلت، ونحن لم نزعم أنه لم يزل له ولد، وإنما قلنا: لم يكن له ولد، ثم خلق الجن فصاهرهم، فحدث له منهم ولد. كما أخبر الله - عز وجل - عنهم أنهم كانوا يقولونه، ولم يكن الله -تعالى ذكره- ليحتجَّ لنبيه - صلى الله عليه وسلم - على مكذّبيه مِن الحجة بما يقدرون على الطعن فيه، وإذ كان في توجيهنا {إن} إلى معنى الجحد ما ذكرنا فالذي هو أشبه المعنيين بها: الشرط، وإذ كان ذلك كذلك فبيّنة صحةُ ما نقول مِن أن معنى الكلام: قل -يا محمد- لمشركي قومك الزاعمين أن الملائكة بنات الله: إن كان للرحمن ولد فأنا أول عابديه بذلك منكم، ولكنه لا ولد له، فأنا أعبده بأنه لا ولد له، ولا ينبغي أن يكون له. وإذا وجّه الكلام إلى ما قلنا من هذا الوجه لم يكن على وجْه الشك، ولكن على وجه الإلطاف من الكلام وحسن الخطاب، كما قال -جل ثناؤه-: {قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} [سبأ: ٢٤]، وقد علم أنّ الحق معه، وأنّ مخالفيه في الضلال المبين». وذكر ابنُ جرير (٢٠/ ٦٥٦ - ٦٥٧) أن من قالوا بالقول الرابع وجّهوا معنى {العابدين} إلى: المنكرين الآبين، مِن عبِد الرجل: إذا أنِف وأنكر الشيء، ومنه قول الشاعر: متى ما يَشَأْ ذُو الوُدِّ يَصْرِمْ خَلِيلَه ويَعْبَد عَلَيْه لا مَحالَة ظالِما ومنه حديث عثمان وعلي في المرجومة حين قال علي: وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا. قال: فما عبِد عثمان أن بعث إليها لتُردَّ. وبنحوه قال ابنُ عطية (٧/ ٥٦٥). وانتقد ابنُ كثير (١٢/ ٣٣٠) هذا القول مستندًا إلى اللغة، فقال: «وهذا القول فيه نظر؛ لأنه كيف يلتئم مع الشرط فيكون تقديره: إن كان هذا فأنا ممتنع منه؟! هذا فيه نظر، فليتأمل. اللهم، إلا أن يقال: {إن} ليست شرطًا، وإنما هي نافية».