وقد ذكر ابنُ جرير (٢١/ ١٨٧ بتصرف) القولين، ثم رجّح -مستندًا إلى عدم التعارض، وإلى السنة- أنها محكمة، فقال: «وذلك أنّ صفة الناسخ والمنسوخ أنّه ما لم يجز اجتماع حكميهما في حالٍ واحدة، أو ما قامت الحجة بأنّ أحدهما ناسخ الآخر، وغير مستنكر أن يكون جعل الخيار في المنّ والفداء والقتْل إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإلى القائمين بعده بأمر الأمة، وإن لم يكن القتْل مذكورًا في هذه الآية، لأنه قد أذن بقتْلهم في آية أخرى، وذلك قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} الآية [التوبة: ٥]، بل ذلك كذلك؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذلك كان يفعل فيمن صار أسيرًا في يده من أهل الحرب، فيقتل بعضًا، ويفادي ببعض، ويمُن على بعض، مثل يوم بدر قتَل عُقبة بن أبي مُعَيْط وقد أُتي به أسيرًا، وقتَل بني قريظة وقد نزلوا على حكم سعد، وصاروا في يده سلمًا، وهو على فدائهم والمنّ عليهم قادر، وفادى بجماعة أسارى المشركين الذين أُسروا ببدر، ومَنَّ على ثُمامة بن أُثال الحنفي وهو أسير في يده، ولم يزل ذلك ثابتًا من سِيَره في أهل الحرب مِن لدُن أذن الله له بحربهم إلى أن قبضه إليه - صلى الله عليه وسلم - دائمًا ذلك فيهم، وإنما ذكر -جلَّ ثناؤه- في هذه الآية المنّ والفداء في الأسارى، فخصَّ ذكرهما فيها؛ لأن الأمر بقتلهما والإذن منه بذلك قد كان تقدَّم في سائر آيِ تنزيله مكررًا، فأعلم نبيّه - صلى الله عليه وسلم - بما ذكر في هذه الآية مِن المنِّ والفداء ما له فيهم مع القتل». وكذا رجّح ابنُ عطية (٧/ ٦٤٠) أن هذه الآية وقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: ٥] محكمتان، فقال: «وعلى قول أكثر العلماء الآيتان محكمتان. وقوله هنا: {فَضَرْبَ الرِّقابِ} بمثابة قوله هناك: {فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ}، وصرح هنا بذكر المنّ والفداء، ولم يصرّح به هناك، وهو أمر متقرر، وهذا هو القول القوي». ولم يذكر مستندًا. وذكر ابنُ كثير (١٣/ ٦٢) هذا الخلاف، ثم ذكر أثر سلمة بن نفيل -الآتي في الآثار المتعلقة بقوله تعالى: {حَتّى تَضَعَ الحَرْبُ أوْزارَها} -، وعلّق قائلًا: «وهذا يقوي القول بعدم النسخ، كأنه شرع هذا الحكم في الحرب إلى ألّا يبقى حرب».