للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧١٠٩٦ - قال مقاتل بن سليمان: {لِيَغْفِرَ} يعني: لكي يغفر {لَكَ اللَّهُ} بالإسلام {ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ} يعني: ما كان في الجاهلية، {وما تَأَخَّرَ} يعني: وبعد النبوة (١). (ز)

٧١٠٩٧ - عن سفيان، قال: بلغنا في قول الله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ} قال: {ما تَقَدَّمَ} ما كان في الجاهلية، {وما تَأَخَّرَ} ما كان في الإسلام؛ ما لم يفعله بعد (٢) [٦٠٥٠]. (١٣/ ٤٦٦)


[٦٠٥٠] رجَّح ابنُ جرير (٢١/ ٢٣٦ - ٢٣٧) -مستندًا إلى القرآن، والسنة، والدلالة العقلية- أن قوله تعالى: {إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ} معناه: «إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا لِتَشْكُر ربَّك وتحمَدَه على ذلك، فيغفر لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر». وعلَّل ذلك بقوله: «وإنما اخترنا هذا القول في تأويل هذه الآية لدلالة قول الله - عز وجل -: {إذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ ورَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أفْواجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كانَ تَوّابًا} [النصر: ١ - ٣] على صحته، إذ أمَرَه -تعالى ذِكره- أن يُسَبِّح بحمد ربه إذا جاءه نصر الله وفتح مكة، وأن يستغفره، وأعلمه أنّه توابٌ على مَن فعل ذلك، ففي ذلك بيانٌ واضحٌ أنّ قوله -تعالى ذكره-: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ} إنما هو خبرٌ من الله -جلَّ ثناؤه- نبيَّه -عليه الصلاة والسلام- عن جزائه له على شُكره له على النعمة التي أنعم بها عليه، من إظهاره له ما فتح؛ لأن جزاء الله تعالى عباده على أعمالهم دون غيرها». ثم استشهد بحديث عائشة، وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إني لأستغفر الله وأتوب إليه في كل يوم مئة مرة». ثم قال: «ولو كان القول في ذلك أنّه مِن خبر الله -تعالى ذكره- نبيَّه أنه قد غَفَر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخّر، على غير الوجه الذي ذكَرْنا، لم يكن لأمره إيّاه بالاستغفار بعد هذه الآية ولا لاستغفار نبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم - ربَّه -جلَّ جلاله- من ذنوبه بعدها معنًى يُعقَل؛ إذ الاستغفار معناه: طلبُ العبد من ربِّه - عز وجل - غفران ذنوبه، فإذا لم يكن ذنوبٌ تُغْفَر لم يكن لمسألته إيّاه غفرانها معنًى؛ لأنه من المُحال أن يقال: اللهم، اغفر لي ذنبًا لم أعْمَلْه».
وذكر ابنُ عطية (٧/ ٦٦٦) أن «المراد هنا: أنّ الله تعالى فتح لك لكي يجعل لك ذلك أمارة وعلامة لغفرانه لك. فكأنها لام صيرورة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «لقد أُنزلت عليّ الليلة سورة هي أحبُّ إليَّ من الدنيا»».
ثم انتقد قول ابن جرير -مستندًا إلى أحوال النزول، والدلالة العقلية- قائلًا: «وهذا ضعيفٌ من وجهين: أحدهما: أنّ السورة {إذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ} إنما نزلت في آخر مدة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ناعيةً له نفسه حسب ما قال ابن عباس - رضي الله عنهما -، عندما سأل عمرُ - رضي الله عنهما - عن ذلك. والآخر: أنّ تخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتشريف كان يذهب، لأنّ كلّ واحد من المؤمنين مخاطبٌ بهذا الذي قال الطبري، أي: سبِّح واستغفر لكي يغفر الله لك، ولا يقتضي هذا أنّ الغفران قد وقع، وما قدَّمناه أولًا يقتضي وقوع الغفران للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ويدل على ذلك قول الصحابة - رضي الله عنهم - له - صلى الله عليه وسلم - حين قام حتى تورَّمت قدماه: أتفعل هذا -يا رسول الله- وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخَّر؟ فقال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!». فهذا نصٌّ في أن الغفران حكمٌ قد وقع».
وانتقد ابنُ عطية (٧/ ٦٦٧) قول سفيان قائلًا: «وهذا ضعيف، وإنما المعنى: التشريف بهذا الحكم، ولو لم تكن له ذنوب البتَّة».
ثم ذكر قول عطاء، ونقل عن بعضهم أن المعنى: «{ما تَقَدَّمَ} هو قوله عليه الصلاة والسلام يوم بدر: «اللهم، إن تهلِك هذه العصابة لم تُعبَد». {وما تَأَخَّرَ} هو قوله عليه الصلاة والسلام يوم حنين: «لن نُغلَبَ اليوم من قِلَّة»». ثم انتقد ذلك قائلًا: «وهذا كلُّه مُعتَرَض».

<<  <  ج: ص:  >  >>