للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأشطاط قريبًا من عُسفان أتاه عينُه الخُزاعي، فقال: إنِّي قد تركتُ كعب بن لؤيّ وعامر بن لؤيّ قد جمعوا لك الأحابيش، وجمعوا لك جموعًا، وهم مقاتلوك، وصادُّوك عن البيت. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أشيروا عَلَيَّ؛ أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم، فإن قعدوا قعدوا مَوتورين مَحْزونين، وإن نَجَوا تكن عُنقًا قطعها الله، أم ترون أن نؤُمّ البيت؛ فمَن صدَّنا عنه قاتلناه؟». فقال أبو بكر: الله ورسوله أعلم، يا رسول الله، إنما جئنا معتمرين، ولم نجئ لقتال أحد، ولكن مَن حال بيننا وبين البيت قاتلناه. فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «فروحوا إذن». فراحوا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ خالد بن الوليد بالغميم، في خيلٍ لقريش طليعة (١)؛ فخذوا ذات اليمين». فواللهِ، ما شعر بهم خالد، حتى إذا هو بقَتَرَة (٢) الجيش، فانطلق يركض نذيرًا لقريش، وسار النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، حتى إذا كان بالثَّنيّة التي يهبط عليهم منها برَكت به راحلته، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «حلْ حلْ (٣)». فألحّتْ (٤) فقالوا: خَلَأتِ (٥) القَصْواء (٦). فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «ما خَلَأتِ القصواء، وما ذاك لها بُخُلُق، ولكن حبسها حابس الفيل». ثم قال: «والذي نفسي بيده، لا يسألوني خُطّةً يُعظِّمون فيها حرمات الله إلا أعطيتُهم إياها». ثم زجرها، فوثبتْ به، فعدل بهم، حتى نزل بأقصى الحُدَيبية على ثَمَدٍ قليل الماء (٧) إنما يتَبَرّضُه الناس تَبَرُّضًا (٨)، فلم يلبثه الناس أنْ نَزحوه، فشُكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العطش، فانتزع سهمًا مِن كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه. قال: فواللهِ، ما زال يجيش لهم بالرِّيّ حتى صَدَروا عنه. فبينما هم كذلك إذ جاء بديلُ بن ورقاء الخُزاعيّ في نَفرٍ من قومه مِن خُزاعة، وكانوا عَيْبَة


(١) الطليعة: مقدمة الجيش. فتح الباري ٥/ ٣٣٥.
(٢) قترة الجيش: غبرته. النهاية (قتر).
(٣) حل حل -بفتح المهملة وسكون اللام-: كلمة تقال للناقة إذا تركت السير. فتح الباري ٥/ ٣٣٥.
(٤) أي: لَزِمتْ مكانها. النهاية (لحح).
(٥) خَلأَتِ الناقة: بَرَكَت، أو حَرَنَت من غير علة. وقيل: إذا لم تَبْرَحْ مكانها. لسان العرب (خلأ).
(٦) القصواء: لقب ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. النهاية (قصا).
(٧) ثمد -بفتح المثلثة والميم-: حفيرة فيها ماء مثمود، أي: قليل، وقوله: قليل الماء. تأكيد لدفع توهم أن يراد لغة من يقول: إن الثمد الماء الكثير. وقيل: الثمد ما يظهر من الماء في الشتاء ويذهب في الصيف. فتح الباري ٥/ ٣٣٦ - ٣٣٧.
(٨) التربض: هو الأخذ قليلًا قليلًا، والبَرْضُ: اليسير من العطاء، وقال صاحب العين: هو جمع الماء بالكفين. فتح الباري ٥/ ٣٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>