للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نُصْحِ (١) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِن أهل تِهامة، فقال: إني تركتُ كعب بن لؤيّ، وعامر بن لؤيّ نزلوا أعداد (٢) مياه الحُدَيبية، معهم العُوذُ المطافيل (٣)، وهم مُقاتلوك وصادُّوك عن البيت. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنّا لم نجئ لقتال أحد، ولكنّا جئنا معتمرين، وإنّ قريشًا قد نَهِكَتهم الحرب، وأضَرّتْ بهم، فإن شاءوا مادَدْتُهم مُدّة ويُخَلُّوا بيني وبين الناس، فإنْ أظْهر فإن شاءوا أن يَدْخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جَمُّوا (٤)، وإنْ هُم أبَوا -فوالذي نفسي بيده- لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالِفَتي (٥)، أو ليُنفِذَنّ الله أمره». فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. فانطلَق حتى أتى قريشًا، فقال: إنّا قد جئناكم مِن عند هذا الرجل، وسمعناه يقول قولًا، فإن شئتم نعرضه عليكم فعلنا. فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا في أن تُحدّثنا عنه بشيء. وقال ذو الرأي منهم: هاتِ ما سمعتَه يقول. قال: سمعتُه يقول كذا وكذا. فحدَّثهم بما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام عُروة بن مسعود الثَّقَفيّ، فقال: أيْ قومِ، ألستم بالولد؟ قالوا: بلى. قال: أوَلستُ بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أنّي استَنفرتُ أهلَ عكاظ، فلمّا بلَّحُوا (٦) عليّ جئتكم بأهلي وولدي ومَن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإنّ هذا قد عرض عليكم خُطّة رُشْدٍ؛ فاقبلوها، ودَعُوني آتِه. قالوا: ائته. فأتاه، فجعل يُكلّم النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال له النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - نحوًا مِن قوله لبُدَيل، فقال عُروة عند ذلك: أي محمد، أرأيتَ إن استأْصلْتَ قومك، هل سمعتَ أحدًا مِن العرب اجتاح أهلَه قبلك؟! وإن تكن الأخرى -فواللهِ- إني لأرى وجوهًا وأرى أشْوابًا (٧) من الناس خَليقًا أن يَفِرُّوا ويَدَعُوك. فقال له أبو بكر: امْصُص بَظَر (٨) اللّات، أنحن نَفِرّ عنه ونَدَعُه؟! فقال: مَن ذا؟ قال: أبو بكر. قال: أما والذي نفسي


(١) العيبة: ما توضع فيه الثياب لحفظها، أي: أنهم موضع النصح له والأمانة على سره. فتح الباري ٥/ ٣٣٧.
(٢) الأعداد: جمع عِدّ، وهو الماء الذي لا انقطاع له. فتح الباري ٥/ ٣٣٨.
(٣) العوذ -بضم المهملة وسكون الواو-: جمع عائذ، وهي الناقة ذات اللبن. والمطافيل: الأمهات اللاتي معها أطفالها. فتح الباري ٥/ ٣٨٨.
(٤) أي: استراحوا وقووا. فتح الباري ٥/ ٣٣٨.
(٥) السالفة: صفحة العنق، وكني بذلك عن القتل؛ لأن القتيل تنفرد مقدمة عنقه. فتح الباري ٥/ ٣٣٨.
(٦) بلحوا: امتنعوا. فتح الباري ٥/ ٣٣٩.
(٧) الأشواب: الأخلاط من أنواع شتى. فتح الباري ٥/ ٣٤٠.
(٨) البظر: قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة. فتح الباري ٥/ ٣٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>