الباب: يا محمّد، اخرج علينا، فإنّ مَدْحنا زَيْن وذمّنا شَيْن. قال: فسمعها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فخرج عليهم وهو يقول:«إنّما ذلكم الله الذي مَدْحه زَيْن وذمّه شَيْن». قالوا: نحن ناس مِن بني تميم، جئنا بشاعِرنا وخطِيبنا نشاعِرُك ونفاخِرُك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما بالشعر بُعثتُ، ولا بالفخار أُمرتُ، ولكن هاتوا». فقال الزِّبْرِقان بن بدر لشابٍّ مِن شبابهم: قم، فاذكر فضلك، وفضْل قومك. فقام، فقال: الحمد لله الذي جعلنا خير خلْقه، وآتانا أموالًا نفعل فيها ما نشاء، فنحن مِن خير أهل الأرض، من أكثرهم عُدّة، ومالًا، وسلاحًا، فمَن أنكر علينا قولنا فليأتِ بقولٍ هو أحسن مِن قولنا، وفِعال هي خير من فِعالنا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لثابت بن قيس بن شَمّاس -وكان خطيب رسول الله-: «قُم، فأجِبه». فقام، فقال: الحمد لله أحمده، وأستعينه، وأؤمن به، وأتوكّل عليه، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، ثمّ دعا المهاجرين مِن بني عمّه أحسن الناس وجوهًا وأعظمهم أحلامًا، فأجابوه، فقالوا: الحمد لله الذي جعلنا أنصاره، ووزراء رسوله، وعِزًّا لدينه، فنحن نقاتل الناس، حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا الله، فمَن قالها منع منّا ماله، ونفسه، ومَن أبى قتلناه، وكان زعمه في الله علينا هيّنًا، أقول قولي وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات. فقال الزِّبْرِقان بن بدر لشابٍّ من شبابهم: قُم يا فلان، فقُل أبياتًا تذكر فيها فضْلك، وفضْل قومك. فقام الشابُّ، فقال:
ونُطعم النّاس عند المحل كلّهمُ ... مِنَ السَّدِيف إذا لم يُؤنس القَزَعُ
إذا أبَينا فلا يأبى لنا أحَدٌ ... إنّا كذلك عند الفخرِ نرتفِعُ
قال: فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حسّان بن ثابت، فانطلّق إليه الرّسول، فقال: وما تريد منّي وكنت عنده؟ قال: جاءت بنو تميم بشاعرهم، وخطيبهم، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثابت بن قيس، فأجابه، وتكلّم شاعرهم، فأرسل إليك لتجيبه. وذكر له قول شاعرهم. قال: فجاء حسّان، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجيبه، فقال: يا رسول الله، مُره فليُسمعني ما قال. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أسْمِعه ما قلتَ». فأنشده ما قال، فقال حسّان:
إنّ الذوائب من فِهْرٍ وإخوتهم ... قد شرَّعوا سنّة للنّاس تُتَّبع
يرضى بها كلُّ مَن كانت سريرته ... تقوى الإله وكلّ الخير يُصطنع