نصرنا رسولَ الله والدِّينَ عَنْوَةً على ... رَغْمِ عاتٍ مِن مَعَدٍّ وحاضرِ
بِضَربٍ كإيزاع المخاض مُشاشَهُ ... وطعنٍ كأفواه اللِّقاح الصَّوادرِ
وسَلْ أُحُدًا يَوْم استقلَّت شِعابُهُ ... بضربٍ لنا مثل اللُّيُوثِ الخوادرِ
ألَسْنا نخوض الموتَ في حَوْمَةِ الوَغى ... إذا طاب وِرْدُ الموتِ بينَ العساكرِ
ونضربُ هامَ الدّارعِين ونَنتَمِي ... إلى حَسَبٍ مِن جِذْمِ غَسّانَ قاهِرِ
فَلوْلا حَياءُ اللهِ قُلنا تَكَرُّمًا ... على النّاسِ بِالخِيفَيْنِ: هَل مِن مُنافِرِ؟
فأحياؤُنا مِن خَيرِ مَن وطِئَ الحصى ... وأمواتنا مِن خَيْر أهل المقابِرِ
قال: فقام الأقرع بن حابس، فقال: إنّي -واللهِ- لقد جئتُ لأمرٍ ما جاء له هؤلاء، وإنّي قد قلتُ شِعرًا، فاسمعه منّي. فقال: «هات». فقال:
أتيناك كَيما يعرف الناسُ فضلَنا ... إذا خالفونا عند ذكر المكارمِ
وإنّا رؤوس الناس من كلّ مَعشرٍ ... وأن ليس في أرض الحجاز كَدارمِ
وإنّ لنا المرباعُ في كلّ غارةٍ ... تكون بنجدٍ أو بأرض التهائمِ
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قم، يا حسّان، فأجبه». فقام حسّان، فقال:
بني دارم لا تفخروا إنّ فخركم ... يعود وبالًا بعد ذكر المكارمِ
هبَلْتُم علينا تفخرون وأنتمُ ... لنا خَوَلٌ من بين ظئرٍ وخادمِ
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لقد كنتَ غنيًّا -يا أخا دارم- أن يُذكَر منك ما قد ظننتَ أنّ الناس قد نسوه». قال: فكان قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشدّ عليهم من قول حسّان. ثمّ رجع حسّان إلى شعره. فقال:
كأفضل ما نلتم من المجد والعلى ... رَدافتنا من بعد ذكر الأكارمِ
فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم ... وأموالكم أن تُقسموا في المقاسمِ
فلا تجعلوا لله نِدًّا وأسلموا ... ولا تفخروا عند النبيّ بِدارمِ
وإلّا وربِّ البيت مالَتْ أكُفُّنا ... على هامكم بالمرهَفات الصوارمِ
قال: فقام الأقرع بن حابس، فقال: إنّ محمّدًا المولى، إنه -والله- ما أدري ما هذا الأمر! تكلّم خطيبنا، فكان خطيبهم أحسن قولًا، وتكلّم شاعرنا، فكان شاعرهم أشعر، وأحسن قولًا! ثمّ دنا من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسوله. فقال له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «ما يضرّك ما كان قبل هذا». ثمّ أعطاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكساهم، وقد كان يخلف في رِكابهم عمرو بن الأهتم، وكان قيس بن عاصم يبغضه