للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثاني: أن التفاصيل لا تُصدَّق ولا تُكذَّب إِلا بخبر الصادق المعصوم، ولا يكفي في قبولها ورودها في مرويات بني إسرائيل.

الثالث: أن نَهْيَ من نَهَى من الصحابة والتابعين منصبٌّ على واحد من احتمالين:

- الاحتمال الأول: ما كان فيه طلب الاهتداء، أو على كثرة سؤالهم، وعلى هذا يُحْمَل ما ورد عن ابن مسعود وابن عباس.

- الاحتمال الثاني: كثرة سؤالهم، وطلب ما عندهم من الغرائب، وعلى هذا يحمل ما ورد عن الأعمش في شأن مجاهد (١) حيث كان يتقيه الكوفيون لروايته لمرويات بني إسرائيل، ومما ورد من غرائبه في ذلك:

عن الأعمش، قال: "كان مجاهد لا يسمع بأعجوبة إِلا ذهب لينظر إليها" ذهب إلى حضرموت ليرى بئر برهوت، وذهب إلى بابل -وعليه وال- فقال له مجاهد: تعرض علي هاروت وماروت، فدعا رجلًا من السحرة فقال: اذهب به، فقال اليهودي: بشرط أن لا تدعو اللَّه عندهما. قال: فذهب به إلى قلعة، فقطع منها حجرًا، ثم قال: خذ برجلي، فهوى به حتى انتهى إلى جوبة، فإذا هما معلقين منكسين كالجبلين، فلما رأيتهما قلت: سبحان اللَّه خالقكما، فاضطربا، فكأن الجبال تدكدكت، فغشي علي وعلى اليهودي، ثم أفاق قبلي، فقال: قد أهلكت نفسك وأهلكتني" (٢).

وقد سار كثير من علماء التفسير على نقل هذه الإسرائيليات وتداولها من غير نكير لكثير منها، ولم يقع النكير المطلق إِلا عند بعض المفسرين، كالرازي وأبي حيان، ثم استقر الأمر عند كثير من المعاصرين على هذا المنهج (٣).


(١) لم يتوقف كثير من العلماء عن قبول تفسير مجاهد، ولا كانوا يتقونه كما نقل أبو بكر ابن عياش، بل كان إمام التابعين في التفسير، حتى قال سفيان الثوري: "إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به".
(٢) سير أعلام النبلاء ٤/ ٤٥٦.
(٣) يمكن تقسيم الناس في هذا إلى أقسام:
١ - مفسرون ينقلونها دون اعتراض، وهذا كثير في كتب التفسير.
٢ - مفسرون اعترضوا على كثير منها، إن لم يكن كلها، ومنهم الرازي وأبو حيان.
٣ - قوم عرَّضوها للنقد والتقويم، ولم يتركوها بالكلية، ولا انتقدوها بالكلية كذلك، ومنهم ابن كثير. محاسن التأويل ١/ ٤٢. وقد ذكر ذلك في فصل نفيس تحت عنوان: "قاعدة في قصص الأنبياء والاستشهاد بالإسرائيليات" ١/ ٤٠ - ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>