ووجّه ابنُ عطية (٨/ ١٧٣) القول الثاني، فقال: «والسلطان: هو القوة على غرض الإنسان، ولا يُستعمل إلا في الأعظم من الأمر والحُجج أبدًا من القوي في الأمور، ولذلك يعبّر كثير من المفسرين عن السلطان بأنه الحُجّة». ورجّح ابنُ جرير (٢٢/ ٢٢١) -مستندًا إلى اللغة- القولين الأولين، فقال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول مَن قال: معنى ذلك: إلا بحُجّة وبيّنة؛ لأن ذلك هو معنى السلطان في كلام العرب». ثم بيّن احتمال دخول القول الثالث في ذلك، فقال: «وقد يدخل الملك في ذلك؛ لأنّ الملك حُجة». [٦٣٨٢] اختُلف في قوله: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا} على أقوال: الأول: معناه: إن استطعتم أن تَعلَموا ما في السماوات والأرض فاعلموا. الثاني: معناه: إن استطعتم أن تهرُبوا من الموت بالخروج من أقطار السموات والأرض فاهرُبوا واخرُجوا منها، لكنكم لا تقدرون. الثالث: معنى قوله: {لا تنفذون} لا تخرجون من سلطاني. الرابع: إن استطعتم أن تَجُوزوا أطراف السموات والأرض فتُعجِزوا ربَّكم حتى لا يقدر عليكم فجُوزوا. وإنما يقال لهم هذا يوم القيامة. وقد ذكر ابنُ القيم (٣/ ٩٦ - ٩٧ بتصرف) الأقوال الثلاثة الأولى، ثم وجّهها بقوله: «وهذه الأقوال على أن يكون الخطاب لهم بهذا القول في الدنيا». ثم رجّح -مستندًا إلى النظائر، والسياق، وإلى الدلالة العقلية- القول الرابع، فقال: «وفي الآية تقرير آخر، وهو أن يكون هذا الخطاب في الآخرة إذا أحاطت الملائكة بأقطار الأرض، وأحاط سرادق النار بالآفاق، فهرب الخلائق، فلا يجدون مهربًا ولا منفذًا، كما قال تعالى: {ويا قَوْمِ إني أخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّناد يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} [غافر: ٣٢ - ٣٣] ... وهذا القول أظهر ... وكأنّ ما قبل هذه الآية وما بعدها يدلّ على هذا القول، فإنّ قبلها: {سَنَفْرُغُ} الآية، وهذا في الآخرة، وبعدها: {فَإذا انشَقَّتِ السّماءُ فَكانَتْ ورْدَةً كالدِّهانِ}، وهذا في الآخرة. وأيضًا فإنّ هذا خطاب لجميع الإنس والجنّ، فإنه أتى فيه بصيغة العموم وهى قوله تعالى: {يا مَعْشَرَ الجِنِّ والإنسِ} فلابدّ أن يشترك الكل في سماع هذا الخطاب ومضمونه، وهذا إنما يكون إذا جمعهم الله في صعيد واحد، يُسمعهم الداعي، وينفذهم البصر».