للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

{أُولئِكَ أصْحابُ الجَحِيمِ} يعني: ما عظم من النار (١) [٦٤٩٨] [٦٤٩٩]. (ز)


[٦٤٩٨] علَّق ابنُ عطية (٨/ ٢٣٤) على هذا القول بقوله: «فكأنه جعلهم صنفًا مذكورًا وحده، وفي الحديث: «إنّ أهل الجنة العليا يراهم مَن دونهم كما ترون الكوكب الدري، وإنّ أبا بكر وعمر منهم، وأنعما»».
وعلَّق عليه ابنُ القيم (٣/ ١٣٠) بقوله: «وعلى هذا القول يترجح أن يكون الكلام جملتين، ويكون قوله: {والشهداءُ} مبتدأ، خبره ما بعده؛ لأنه ليس كل مؤمن صِدّيق شهيدًا في سبيل الله».
[٦٤٩٩] اختُلف في قوله: {والشهدآء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم} على أقوال: الأول: أنّ الذين آمنوا بالله ورسله هم الصِّدِّيقون وهم الشهداء عند ربهم.
وعلَّق عليه ابنُ القيم (٣/ ١٣٠) بقوله: «وعلى هذا فالشهداء هم الذين يستشهدهم الله على الناس يوم القيامة وهو قوله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ} [البقرة: ١٤٣]، وهم المؤمنون، فوصفهم بأنهم صِدِّيقون في الدنيا وشهداءُ على الناس يوم القيامة، ويكون الشهداء وصفًا لجملة المؤمنين الصديقين».الثاني: أن قوله: {أولئك هم الصديقون} كلام تام. وقوله: {والشهدآء عند ربهم} كلام مبتدأ. وفيهم قولان: الأول: أنهم الرسل يشهدون على أممهم بالتصديق والتكذيب. الثاني: أنهم أمم الرسل يشهدون يوم القيامة. الثالث: أنهم القتلى في سبيل الله لهم أجرهم عند ربهم، يعني ثواب أعمالهم.
ورجَّح ابنُ جرير (٢٢/ ٤١٥) -مستندًا إلى الأغلب لغة- القول الثالث الذي قاله ابن عباس من طريق العَوفيّ، ومسروق، والضَّحّاك، وأبي الضحى، فقال: «لأن ذلك هو الأغلب من معانيه في الظاهر، وإنّ الإيمان غير موجب في المتعارف للمؤمن اسم شهيد لا بمعنى غيره، إلا أن يراد به شهيد على ما آمن به وصدّقه، فيكون ذلك وجهًا، وإن كان فيه بعض البُعد؛ لأن ذلك ليس بالمعروف من معانيه إذا أطلق بغير وصل، فتأويل قوله: {والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم} إذن: والشهداء الذين قُتلوا في سبيل الله أو هلكوا في سبيله عند ربهم لهم ثواب الله إياهم في الآخرة ونورهم».
ورجَّح ابنُ القيم (٣/ ١٣٠) القول الثاني -مستندًا إلى اللغة، والدلالة العقلية- بما مفاده الآتي: ١ - أنه لو كان الشهداء داخلًا في جملة الخبر لكان قوله تعالى: {لَهُم أجْرُهُمْ ونُورُهُمْ} داخلًا أيضًا في جملة الخبر عنهم، ويكون قد أخبر عنهم بثلاثة أشياء: أحدها: أنهم هم الصِّدّيقون. والثاني: أنهم هم الشهداءُ. والثالث: أنّ لهم أجرهم ونورهم، وذلك يتضمن عطف الخبر الثانى على الأول، ثم ذكر الخبر الثالث مجردًا عن العطف، وهذا كما تقول: زيد كريم وعالم له مال. والأحسن في هذا تناسب الأخبار بأن تُجرّدها كلّها من العطف أو تعطفها جميعًا فتقول: زيد كريم عالم له مال، أو كريم وعالم وله مال. ٢ - أنّ الكلام يصير جُمَلًا مستقلة قد ذكر فيها أصناف خلْقه السعداء، وهم الصِّدِّيقون والشهداء والصالحون، وهم المذكورون في الآية، وهم المتصدقون الذين أقرضوا الله قرضًا حسنًا، فهؤلاء ثلاثة أصناف، ثم ذكر الرسل في قوله تعالى: {لَقَدْ أرْسَلْنا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ} [الحديد: ٢٥]، فيتناول ذلك الأصناف الأربعة المذكورة في سورة النساء.

<<  <  ج: ص:  >  >>