للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فواللهِ، إنّ أمر صاحبكم كلّه فيه اختلاف. فأنزل الله تعالى: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي المَجالِسِ} يعني: أوْسعوا في المجالس {فافْسَحُوا} يقول: أوْسِعوا {يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} (١). (ز)

٧٥٩٩٥ - عن مقاتل بن حيّان، قال: أُنزِلَتْ هذه الآية: {إذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا} يوم جُمعة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ في الصُّفّة، وفي المكان ضِيق، وكان يُكرِم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء ناس من أهل بدر، وقد سُبِقوا إلى المجالس، فقاموا حيال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: السلام عليك، أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فردّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عليهم، ثم سلّموا على القوم بعد ذلك، فردّوا عليهم، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يُوسَّع لهم، فعرف النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يحملهم على القيام، فلم يُفْسَح لهم، فشقّ ذلك عليه، فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار مِن غير أهل بدر: «قم، يا فلان، وأنت، يا فلان». فلم يزل يُقيمهم بعِدّة النّفر الذين هم قيام مِن أهل بدر، فشقّ ذلك على مَن أُقيم من مجلسه؛ فنَزَلَتْ هذه الآية (٢). (١٤/ ٣٢٢)

٧٥٩٩٦ - قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قول الله: «إذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي المَجْلِسِ فافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ»، قال: هذا مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان الرجل يأتي فيقول: افسَحوا لي، رحمكم الله. فيضِنّ كلُّ أحد منهم بقُربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمرهم الله بذلك، ورأى أنه خير لهم (٣) [٦٥٢٦]. (ز)


[٦٥٢٦] اختُلف في المجلس الذي أمر الله المؤمنين بالتَّفسُّح فيه على أقوال: الأول: أنه مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: أنه مجالس القتال إذا اصطَفُّوا للحرب. الثالث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام قومًا ليُجْلِس أشياخًا من أهل بدر؛ فنَزَلَتْ الآية. الرابع: أنها مجالس الذكر.
ورجَّح ابنُ جرير (٢٢/ ٤٧٨) العموم، فقال: «إنّ الله -تعالى ذِكْرُه- أمر المؤمنين أن يتفسَّحوا في المجلس، ولم يَخْصُص بذلك مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - دون مجلس القتال، وكلا الموضعين يقال له: مجلسٌ، فذلك على جميع المجالس من مجالس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومجالس القتال».
ونقل ابنُ عطية (٨/ ٢٥٢) عن بعض الناس: أنّ «الآية مخصوصة في مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس في سائر المجالس». وذكر أنه يدل على ذلك قراءة مَن قرأ: «فِي المَجْلِسِ»، وأما من قرأ: {في المجالس} فذلك مرادٌ أيضًا؛ لأنّ لكل أحد مجلسًا في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وموضعه فتجمع لذلك «. ونقل عن الجمهور من أهل العلم: أنّ» السبب مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم -، والحكم مطَّردٌ في سائر المجالس التي هي للطاعات، وعلَّق بقوله: «ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أحبُّكم إلى الله ألْيَنُكم مناكب في الصلاة ورُكَبًا في المجالس»». ثم علَّق عليه بقوله: «ويؤيد هذا القول قراءة مَن قرأ: {في المجالس}، ومَن قرأ: «فِي المَجْلِسِ» فذلك -على هذا التأويل- اسم جنس».

<<  <  ج: ص:  >  >>