ورجَّحَ ابنُ جرير (٢٣/ ٥٢ - ٥٣) القولَ الثانيَ استنادًا إلى ظاهر اللفظ، والدلالة العقلية، فقال: «أولى الأقوال في ذلك بالصحة قول مَن قال: عني بذلك: إن ارتبتم فلم تدروا ما الحكم فيهنَّ. وذلك أن معنى ذلك لو كان كما قاله مَن قال: إن ارتبتم بدمائهن فلم تدروا أدم حيض، أو استحاضة؟ لقيل: إن ارتبتن. لأنهن إذا أشكل الدم عليهنّ فهنّ المرتابات بدماء أنفسهنّ لا غيرهنّ، وفي قوله: {إن ارتبتم} وخطابه الرجال بذلك دون النساء الدليل الواضح على صحة ما قلنا من أنّ معناه: إن ارتبتم أيها الرجال بالحكم فيهنّ. وأخرى: وهو أنه -جلّ ثناؤه- قال: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم} واليائسة من المَحِيض هي التي لا ترجو مَحيضًا للكِبَر، ومحال أن يقال: {واللائي يئسن}، ثم يقال: ارتبتم بيأسهن. لأن اليأس: هو انقطاع الرجاء، والمرتاب بيأسها مرجوّ لها، وغير جائز ارتفاع الرجاء ووجوده في وقت واحد، فإذا كان الصواب مِن القول في ذلك ما قلنا، فبيِّن أن تأويل الآية: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم} بالحكم فيهنّ، وفي عِددهن، فلم تدروا ما هو، فإنّ حكم عِددهنّ إذا طُلقن، وهنّ ممن دخل بهن أزواجهنّ فعِدّتهنّ ثلاثة أشهر». ومالَ إلى هذا القول ابنُ كثير (١٤/ ٣٥ بتصرف)، فقال: «هو اختيار ابن جرير، وهو أظهر في المعنى، واحتجّ عليه بما رواه عن ... أبيّ بن كعب». وقال ابنُ عطية (٨/ ٣٣١ - ٣٣٢): «اليائسات من المحيض على مراتب: فيائسة هو أول يأسها، فهذه ترفع إلى السنة، ويبقيها الاحتياط على حكم مَن ليست بيائسة؛ لأنّا لا ندري لعلّ الدم يعود. ويائسة قد انقطع عنها الدم؛ لأنها طَعنت في السن، ثم طُلّقت، وقد مرّت عادتها بانقطاع الدم، إلا أنها مما يُخاف أن تَحمل نادرًا، فهذه التي في الآية على أحد التأويلين في قوله: {إن ارتبتم}، وهو قول مَن يجعل الارتياب بأمر الحمل، وهو الأظهر. ويائسة قد هَرمتْ حتى تتيقن أنها لا تحمل، فهذه ليست في الآية؛ لأنها لا يُرتاب بحمْلها، لكنها في حكم الأشهر الثلاثة إجماعًا فيما علمتَ، وهي في الآية على تأويل مَن يرى قوله: {إن ارتبتم} معناه في حكم اليائسات».